وليمة «علي جناح التبريزي»، وإن كانت «وهمية»، فهي تنافس أفخر الولائم في المسرح المعاصر، رغم أن آكلها ومشاهدها يدركان مسبقا أن الأمر مجرّد لعبة.
حدث ذلك في مسرحية الراحل ألفريد فرج، عندما وجد إسكافي نفسه مضطرا ليجاري «جنون» أمير دعاه إلى وليمة متخيّلة، أبدع فيها في تقديم صنوف مأكولات لم تكن تخطر على بال ذلك المسكين الجائع، قبل أن تتوطد العلاقة بينهما ويتحولان لاحقا إلى محتال وتابعه.
إنها الوليمة، التي لم يكن مبدأها يختلف عن مبدإ «العملة الافتراضية» المسمّاة «بتكوين»، التي بدأت قبل أكثر من عشر سنوات من الآن عبر الأنترنت دون أن يكون لها وجود مادي، وكانت قيمتها الابتدائية 6 سنتات أمريكية، لتصبح الآن غولا يأكل الأخضر واليابس وتبلغ الآن 34 ألف دولار.
هي عملة استفادت من قوانين الرياضيات الصارمة ومنطقها الدقيق، فهي تتطور وفق معادلات دقيقة غير قابلة للمفاجأة، لا مجال معها للتضخم الذي يضرب العملات التقليدية التي تخضع لكثير من الاعتبارات الاقتصادية المعقّدة وكثيرا ما تواجهها مفاجآت لا يتوقعها أحد.
وفي زمن اختلطت فيه كل المفاهيم، وانهارت الحواجز بين المادي والافتراضي، لم تعد القوانين الرادعة التي تمنع التعامل بتلك العملة من تطوّرها المستمر والواثق في مواجهة الدولار الذي تنازل مكرها عن عرشه.
وما زاد من قوة «بتكوين»، تنامي نشاط قراصنة الأنترنت واللصوص الافتراضيين الذين يبتزّون كبار رجال الأعمال بعد اختراق حساباتهم، ويجبرونهم على دفع فدية، تتمثل في تحويل أموال إلى حساباتهم، ولم يجدوا أضمن من هذه العملة العجيبة لزيادة مدخراتهم بعيدا عن أعين الحكومات وقوانينها الردعية.
إنه الوجه الغريب والمرعب لهذه التحوّلات التي يعرفها العالم، ولم يتوقّعها أحد من أشهر، وأكبر كتّاب الخيال العلمي، بل إنه «فيلم الرعب» الذي بدأت فصوله الأولى تتضّح في انتظار البقية...