في مسرحية «في انتظار غودو» للكاتب الإيرلندي الراحل صمويل بكيت، تقدم شخصيات غريبة، تتكلم لغة أغرب، ننتظر شخصا لا يعرفه أحد، اسمه «غودو»، وفي نهاية كل فصل لا يأتي ذلك الشخص، لكن المنتظرين يجدّدون أملهم في فصل آخر وتنتهي الأحداث دون أن يظهر ذلك الشخص الذي لا نعلم عنه شيئا.
إنه نموذج من مسرح «العبث» الذي انتشر في أوربا خمسينيات القرن العشرين، في أعقاب حرب عالمية تسبّبت في قتل الملايين من البشر وتدمير مدن بأكملها، وخلخلة الفن بمفهومه الكلاسيكي.
ولأن السياسة في الشرق الأوسط، أُريد لها أن تكون مسرحية غرائبية، فإن «العبث» فيها بدأ قبل ذلك بكثير، عندما قرّر الفرنسي فرانسوا بيكو والإنجليزي مارك ساكس اقتسام الخريطة بالمسطرة والقلم، فظهرت دول لم تكن معروفة قبل ذلك، يبدو أن الوقت حان لتجزئتها.
وما بدأته فرنسا وبريطانيا في المنطقة وقبلهما روسيا، أكملته الولايات المتحدة الأمريكية التي أصبحت لاعبا أساسيا في المنطقة في أعقاب الحرب العالمية الثانية، ثم اللاعب «الأوحد» بعد نهاية الحرب الباردة.
وقبل خمسين سنة، استطاع مايلز كوبلاند، صاحب كتاب «لعبة الأمم»، تشريح «اللعبة» الأمريكية في المنطقة، بإدارة التركة البريطانية، فدخلت في ما يشبه المسرحية العبثية، تتسارع فيها الأحداث وتشتعل فيها حروب لأسباب غير معروفة، يتحوّل الأعداء بعدها إلى حلفاء.
يموت أناس وتُبذّر أموال طائلة في صراعات لا تكاد تنتهي، وفي ذروة الأحداث يتحول المشهد بشكل كامل وكأن شيئا لم يحدث.
وربما ما حدث في منطقة الخليج من حرب إعلامية متبادلة يدخل ضمن فصول تلك اللعبة، وبعد أن قرعت طبول الحرب، أصبح أعداء الأمس أصدقاء اليوم، وتتواصل اللعبة بأشكال أخرى.
هي اللعبة التي يبدو فيها الجميع خاسرا، لكنها متواصلة رغم كل شيء. لكن المتابع لها ذا النيّة الحسنة، قد يفقد عقله وهو يتابع فصول تلك اللعبة التي يبدو أنها لا تنتهي.