دخلت ليبيا العام الجديد بأمل كبير في تحقيق السّلام والاستقرار وذلك بالنظر إلى الإنجازات التي سجّلتها العملية السياسية في الأشهر الأخيرة، بداية باتفاق وقف إطلاق النار، الذي وقّعته الأطراف المتنازعة في أكتوبر 2020، ثم استئناف المسار السياسي الذي تقوده بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا عبر منتدى الحوار السياسي الذي احتضنته تونس في سبتمبر، والذي توّج بتحديد موعد الانتخابات العامة في ديسمبر القادم، ووصولا إلى إقرار توافق بين أعضاء اللجنة العسكرية المشتركة «5+5» لإعادة هيكلة وحدات الجيش وقوات الشرطة وحرس المنشآت النفطية على أسس صحيحة وموحّدة.
إن فرص التوصل إلى حل سياسي ينهي الفوضى الأمنية التي غرقت فيها ليبيا، منذ عشر سنوات، ويعيد بناء مؤسّسات الحكم فيها، تبدو اليوم أكبر من أيّ وقت مضى بعد أن ترسّخت لدى الفواعل الداخلية والمجموعة الدولية، قناعة بفشل كل الخيارات العسكرية التي لم تعمل إلاّ على إطالة أمد الصراع وتحويله من رغبة شعبية مشروعة في تغيير النظام، إلى احتراب داخلي تؤجّجه التدخّلات الخارجية وتلهبه دول معيّنة عبر إغراق ليبيا بالسّلاح والمرتزقة والإرهابيين.
نافذة الأمل باتت، اليوم، مفتوحة أمام الشعب الليبي الذي ينشد الأمن والاستقرار ويتطلّع إلى تجاوز السنوات العجاف التي حوّلت حياته إلى جحيم، لكن الإفراط في التفاؤل والقول بقرب الخروج من النفق المظلم قد يكون من السابق لأوانه، لأن طريق السلام مازالت معبّدة بالأشواك، فتنفيذ اتفاق وقف القتال يبقى هشّا في ظل التواجد الأجنبي، وإلى غاية الآن لم تتضح إمكانية تجسيد أهمّ بنوده وهو مغادرة المرتزقة والمقاتلين الأجانب للأراضي اللّيبية، إضافة إلى التهديد باستئناف الحرب التي تصدرها أطراف النزاع بين الحين والآخر، وقد تطرح لاحقا خلافات حول تشكيل السلطة التنفيذية الجديدة خاصة بعد أن فشلت المحادثات حتى الآن في التوصل إلى حلول توافقية بشأن هيئة حكم موحدة سيكون عليها تفكيك تعقيدات الملف الليبي وقيادة البلاد إلى بر الأمان.
ليل الليبيين كان طويلا، وقد آن له أن ينجلي بكوابيسه المفزعة، والمهم الآن هو أن يتمسّك الإخوة الفرقاء بخيار الحوار والمفاوضات، وتقديم ما يجب من تنازلات، لتثبيت وقف إطلاق النار أوّلا، ثم نزع فتيل التدخلات الخارجية، وإرغام الدول المتورطة في الحرب على سحب مرتزقتها، والذهاب إلى انتخابات تجري في كل أنحاء ليبيا وتحترم نتيجتها، وغير ذلك فإن الوضع سيعود إلى المربّع الأول.