لا يمكن أن نتحدث عن قوة دولة ما وقدرتها على التأثير الدولي والإقليمي دون أن ننظر بعمق في قوة وصلابة جبهتها الداخلية.
الاستقراء التاريخي أكد أن الإمبراطوريات الكبرى التي استطاعت أن تبسط نفوذها على العالم، كانت قوية من الداخل وتمتلك عناصر القوة والمعرفة وقدرات لامتناهية من مواهب التفوق.
رأينا التاريخ الروماني وما كشف عنه من عظمة العهد الجمهوري والإمبراطوري في القرون الستة قبل الميلاد، وهو العهد الذي أصبحت فيه روما إمبراطورية مترامية الأطراف. ورأينا التطور والتوسع الكبير للدولة الإسلامية في العهد الراشد الذي أسس للفتوحات الإسلامية وكيف استطاع المسلمون بصلابة عقيدتهم وقوة عزيمتهم، الإطاحة بأعظم إمبراطوريات الشرق والغرب، الفرس والروم، وتقليص نفوذهما في العالم.
وتابعنا كيف أصبحت الولايات المتحدة الأمريكية قوة عالمية، بعد استيعابها في «القدر الصاهر - Melting pot « للقدرات الإنسانية المختلفة الهاربة من التخلف الأوروبي ومعارك الممالك المتطاحنة، حيث بقيت معزولة عن العالم بعد الحرب الأهلية، لتؤسس نسختها الثانية كقوة عظمى في الحربين العالميتين الثانيتين وأصبح لـ»العم سام» موطئ قدم في كل مناطق العالم.
يدرك الملاحظون أن قوة الجبهة الداخلية ليست مجرد نظريات عابرة أو مفاهيم رنانة، فقوة الإيمان بالدولة كعقيدة مقدسة في روح الشعب، كما كان يفعل المجاهدون الأبرار في ثورة التحرير أو «الكاميكاز» الطيارون الإنتحاريون الذي كانوا يقدمون أرواحهم وفاءً للعهد الإمبراطوري وشمس اليابان المقدسة، هي العقيدة الصلبة والمرتكز الأساسي لتقديم المصالح العليا للأمة عن مطامع ومطامح الأفراد.
لا يمكن أن تكون هناك جبهة داخلية دون معرفة متحركة فاعلة مرتبطة بالحداثة والاقتصاد المنتج، مدركة لأهمية التوجيه الراشد للعقل الإنساني في معالجة مشكلات الحياة بأكثر وعيا وفاعلية، خاصة في موضوعات الإنتاج والإبتكار في الصناعات الدنيا والمتوسطة والثقيلة وبشكل متسارع، إضافة إلى الصناعات الدفاعية والتكنولوجية المتطورة والمعقدة للمؤسسات السيادية في البلاد.