عندما «تمرّد» البابا غريغوريوس على النظام الجولياني، وعمل على تعديله، انطلق من أن التقويم القديم كان أقّل دقة، فالسنة في الواقع تتكوّن من 356 يوم و6 ساعات. وحتى لا «تنزاح» السنة وتبقى ثابتة، اقترح جمع الساعات الزائدة وإضافتها كل أربع سنوات إلى شهر فيفري، ومن هنا جاء مفهوم السنة «الكبيسة» ومقابل السنة «البسيطة».
واستنادا إلى التنظيم الغريغوري، فإن 2020 كانت سنة «كبيسة»، بأكثر من معنى انقلبت فيها المفاهيم، وعاش فيها الناس وضعا لم يتصوّروه طيلة حياتهم، بفعل جائحة كورونا التي تحيل إلى الأوبئة التي عرفتها البشرية في السابق، على غرار «الكوليرا» و»الجذام» والطاعون.
وما لم يكن يتصوره عاقل حصل بالفعل في هذه السنة التي تلفظ أنفاسها الأخيرة. فلأول مرة يضطر الناس للتخلي عن كثير من عاداتهم في عناق ومصافحة الأهل وحتى الزيارة أصبحت نادرة، بل أن مصطلح «التباعد الاجتماعي» أصبح من الفضائل، مقابل «التقارب» الذي درج عليه الناس منذ القدم.
توقفت حركة الطيران وأغلقت محطات القطار والميترو و»الترام» وتحوّلت كثير من محطات النقل البري إلى أسواق للخضر والفواكه، وفق شروط جديدة بعد أن أغلقت الأسواق التقليدية التي كانت تعجّ بزحمة الناس.
الطلبة والتلاميذ أخذوا عطلة هي الأطول في التاريخ، دامت أكثر من نصف سنة وعندما عادوا، تابع بعضهم دروسه بنصف التوقيت، بعضهم يدرس يوما ويبقى في البيت يوما آخر، وبعضهم لا يدرس إلا نصف يوم، وكثير من طلبة الجامعات لم يستأنفوا الدراسة إلى يوم الناس هذا.
ظهر أثرياء جدد يمارسون تجارة الأقنعة الواقية، المواد المعقمة، التي لا يدري أحد إن كانت صحية أو مغشوشة. وأفلس كثير من الناس كانوا يمارسون مهنا اختفت بفعل الجائحة، وأغلقت المساجد أشهر طويلة، ولأول مرة يمرّ رمضان بدون صلاة تراويح، والعيد بدون صلاة العيد والجمعة بدون صلاة الجمعة.
ولم يكن الأمر إلا جزءا من مشهد لم يكن أحد، قبل هذه السنة، يتصوّره حتى في أفلام الخيال العلمي.
ومع اقتراب السنة «البسيطة» الجديدة، نتمنّاها بسيطة بالفعل، بل نتمنى عاما مليئا بالأمل.