عندما كان عمرو موسى وزيرا لخارجية مصر، تقدّم باسم دولته بطلب الانضمام إلى «الاتحاد المغاربي». وفي حديث للصحافة بالمناسبة، دافع عن الفكرة بشراسة، مؤكدا على الروابط الجغرافية والتاريخية بين بلده وأقطار الاتحاد، ثم أضاف بشيء من المزاح «الجاد» يقول: «لا تنسوا فقد أصبحنا مثلكم نأكل الكسكسي».
هو اعتراف «دبلوماسي» بخصوصية هذه المنطقة التي تجمعها روابط روحية وتاريخية وجغرافية كثيرة، لكن حسابات السياسة المرتبطة بعوامل خارجية، عطّلت ذلك الاتحاد الذي بقي حلما كبيرا منذ القدم.
وفي تاريخنا الحديث، بدأ نضال الحركة الوطنية «وحدويا مغاربيا»، انطلاقا من اسم «نجم شمال إفريقيا» الذي كان يضمّ مناضلين من مختلف الأقطار التي كانت ترزح تحت الاحتلال و»الوصاية» الاستعمارية، واستمر الحلم مع حزب الشعب الجزائري مع نشيده الذي كتبه الراحل مفدي زكريا إذ يقول: «فليحيا حزب الشعب والغالي ونجم شمال إفريقية».
وكان يفترض أن تصبح وحدة شمال إفريقيا من قبيل «تحصيل الحاصل»، كما يقول أهل المنطق، مع استقلال البلدان المغاربية، لكن الوحدة لا تتم مع النوايا السيئة وعقلية «المخزن» التي تتعامل مع البقية لا كشركاء بل كـ»سايبة».
إنها العقلية التي فجّرت حرب الرمال، مثلما فجرّت حروبا أخرى رغم الخطاب السياسي الذي كان يدّعي عكس ذلك ومازال يلعب دور الضحية.
ومع توتّر جديد فجّرته عقلية المخزن التوسعية المدعومة بعوامل خارجية على حساب إرادة الشعوب، يأتي نبأ تصنيف أكلة الكسكسي ضمن التراث العالمي غير المادي.
وعوضا عن الاحتفال بهذا الحدث وهذا الاعتراف الأممي، تفجرت سجالات تحاول «المصادرة على الموضوع» وادّعاء أن ذلك التراث حكر على منطقة دون غيرها، بل أن البعض قال إن الأكلة مستوردة من الرومان رغم أنف التاريخ والجغرافيا.
ورغم كل ما يقال، فإن قرار اليونيسكو الأخير، هو إقرار بخصوصية شعوب هذه المنطقة التي لا تنتبه إلى نفسها إلا إذا جاء الاعتراف من الخارج، والأمر في النهاية أبعد من «مثرد كسكسي».