يمكن للشارع قبل البرلمان أن يسقط مشاريع النصوص التشريعية التي تنتقص من هوامش حرياته وتقلّص من مكاسبه، على خلفية القلق الداخلي والخارجي والانتقادات العلنية شديدة اللهجة التي خلّفها مشروع قانون «الأمن الشامل» الفرنسي، الذي ألهب ألسنة غضب الفرنسيين خلال الأسابيع الماضية، فتصدر واجهة المحتجين، الحقوقيين، رجال الإعلام، المثقفين والسياسيين المناهضين، فعارضوا بشدة ما وصفوه بالتهديد الحقيقي للحريات، وما فضح أكثر مساوئ وخطورة هذا القانون، اتساع دائرة التنديد والرفض بخروج خبراء الأمم المتحدة عن صمتهم، وتأكيدهم أن هذا النص التشريعي يتعارض مع مبادئ حقوق الإنسان، ويشكل خطرا يجعل باريس تتراجع بخطوات إلى الوراء في مجال سقف حرية التعبير.
وإن كانت وسائل إعلام فرنسية قد أثارت بالكثير من التحليل، مسألة تراجع قصر الاليزيه عن تبني هذا النص التشريعي مرغما تحت ضغط مئات الآلاف من المحتجين، الذين كانوا مستعدين للاصطدام وجها لوجه مع السلطة، لكن لا ينبغي تجاهل العديد من الملفات التي مازالت تمثل شوكة في حلق حكومة ماكرون، التي اشتدت متاعبها منذ خروج أصحاب «السترات الصفراء» للتظاهر بعنف، ضاربين الاستقرار والسلم الاجتماعيين محولين عطلة نهاية الأسبوع إلى جحيم، فلم تنفع جل الحلول الترقيعية التي طرحت لإخماد بؤرة التوتر التي مازالت مفتوحة من دون استئصال الأسباب الحقيقية.
تجدّدت المظاهرات مرة أخرى في العديد من المدن الفرنسية، لكن هذه المرة من طرف المهاجرين غير الشرعيين، الذين خرجوا نهاية الأسبوع في اليوم الدولي للمهاجرين للمطالبة بتسوية وضعيتهم في احتجاجات سلمية وسط طوق من رجال الأمن.
المحتجّون طالبوا الحكومة الفرنسية بإنهاء معاناتهم مع الحياة القاسية التي يعيشونها، خاصة أنهم خلال الأزمة الصحية والغلق بسبب الوباء، صمدوا في الصفوف الأولى في مواجهة خطر الفيروس، فساهموا في التعقيم وضمان الحد الأدنى من الخدمات في عدة مجالات مهمة مثل التنظيف. إذا المهاجرون سيفتحون بابا آخر يصعب غلقه إلا بتسوية وضعيتهم في وقت يقارب عددهم نصف مليون مهاجر، أغلبهم نزحوا من القارة السمراء، ويعيشون تحت عتبة الفقر ومن دون أوراق إقامة في وضعية معقدة لا يحترم فيها حقوق الانسان.
ملفات ملغّمة تحتاج إلى حنكة، لازالت مطروحة على طاولة الحكومة الفرنسية وتنتظر التعاطي معها بإيجابية، والرئيس الفرنسي ماكرون لا يواجه فقط تداعيات أزمة كورونا وحدها بل عدة ملفات ملغمة ومربكة، في كل مرة تدفع بالمنظومة الاجتماعية للشارع.