لا شك أن تعيينات بايدن الأخيرة لفريقه الذي سيعمل معه داخل البيت الأبيض لم تكن ارتجالية أو قائمة على توجهات ضيقة، بل تحمل في طياتها حنكة وبعد نظر وأهداف عميقة، يحاول من خلالها تقوية شعبيته وتوسيع انتصاراته وتجاوز أخطاء الرئيس المغادر دونالد ترامب، فبعد أن وفّق حسب تقديرات الخبراء في اختيار كمالا هاريس النائبة القوية بقاعدتها الشعبية وسط أصحاب البشرة السوداء، حيث يعود لها الفضل في استمالة الناخبين من الأصول الإفريقية، وتغليب كفة بايدن التي مازال ترامب مصدوما وغير مصدق بأنه خسر أمامه المعترك الانتخابي الرئاسي، اختار بايدن مرة أخرى امرأة ببشرة سوداء، ويتعلق الأمر بمستشارة الأمن القومي السابقة لباراك أوباما، إنها» سوزان رايس» التي ستتولى منصب مستشارة السياسة الداخلية في البيت الأبيض.
توصف «رايس» التي ستقود مجلس السياسة الداخلية بالولايات المتحدة الأمريكية، بالدبلوماسية المميزة صاحبة الخبرات المتعددة التي يعوّل عليها كثيرا في امتصاص التوتر العرقي الذي خلفه ترامب، وإن كانت «رايس» في البداية قد رشّحت بشكل أقوى لتولي حقيبة وزارة الخارجية، لكن التخوف من رد فعل سلبي للجمهوريين في مجلس الشيوخ خلال إجراءات تثبيتها بسبب ما وصف بدورها في أزمة بنغازي 2012، جعل بايدن يتراجع، لكنه مصر على جعلها ورقة رابحة في مفاتيح تسيير مقاليد الحكم، بالنظر إلى كونها من أكثر المسؤولين احترافية في معالجة العديد من الملفات الثقيلة ببلدها.
تدرك هذه الأكاديمية الخمسينية التي درست التاريخ والعلاقات الدولية قبل اقتحام عالم السياسة والدبلوماسية جيدا أن إفريقيا موطنها الأصلي ومنبت جذورها، ولأنها بالموازاة مع ذلك شغلت منصب مستشارة الرئيس بوش الابن في الشؤون الإفريقية، ويبدو أنها مهتمة كثيرا بالشأن الإفريقي على اعتبار أنها سبق لها تأليف كتاب بعنوان «الكمنولث في زيمبابوي»، وهذا ما يرجح فرضية أنها تحن لموطنها الأصلي في القارة السمراء، وقادرة على امتصاص موجة غضب واستياء أصحاب البشرة السمراء، وفوق ذلك بما أن هذه المرأة أكاديمية درست بالجامعة ومستشارة حيث عملت في مكتب استشارات، يمكن لبايدن أن يستفيد منها في العديد من الملفات..فهل نفهم من هذا أنّ بايدن في الطريق الصحيح على ضوء مؤشرات طريقة الانتقاء وإسناد المهمات من دون أن يخطئ في رجاله ونسائه..وبالتالي سينجح مستقبلا في تطبيق سياسة متزنة وعادلة في الداخل والخارج؟ تنهي الفوضى التي خلفها ترامب.