قبل أيام أعادت قناة «الذاكرة» التلفزيونية بث فيلم «بني هندل» الذي أنجزه المخرج لمين مرباح عام 1976.
الفيلم وبعيدا عن «الأكشن»، يغوص في عمق السلوك الكولونيالي، ويصوّر أساليب إدارة الاحتلال الفرنسي في نهايات القرن التاسع عشر الميلادي، وطرقها في انتزاع الملكية وتحويلها إلى لصوص قادمين من الضفة الشمالية للمتوسط، ومع الأحداث يتحوّل «السكان الأصليون» إلى مجرّد «خمّاسين» عند الكولون أو عملائهم من «القيّاد» الخونة.
إنها المأساة التي لا يعرف عنها الكثيرون شيئا ويعتبرون الاستعمار الفرنسي «مجرد استعمار»، لكنه احتلال غاشم للأرض وللبشر لا يشبهه في بشاعته إلا الاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين ونظام الأبرتايد المقبور في جنوب أفريقيا.
ولا يفهم ذلك الفيلم وعمقه إلا الأفريقي الملوّن الذي كان يعامل معاملة الكلاب فوق أرضه أو الفلسطيني الذي أصبح لاجئا في أرض الله ومحروم من زيارة بلده وبعضهم ما يزال يحتفظ بمفتاح بيته في عكّا وحيفا ويافا التي غادروها سنة 1948.
إنه السر الذي جعل الجزائري يعيش القضيتين الفلسطينية والصحراوية بشكل شخصي، مثلما عاش، قبل تسعينيات القرن الماضي قضية الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، ولا همّ له إلا تصفية آخر قلاع الاحتلال في العصر الحديث.
لقد كانت الثورة التحريرية الجزائرية تشبه المعجزة، استطاع خلالها شعب منهك ومسلوب الأرض الوقوف في وجه أخطر احتلال ومن ورائه قوات حلف شمال الأطلسي ويستعيد كرامته وتحوّل إلى نموذج في العالم، وكثير من حركات التحرّر في العالم سمّت نفسها «جبهة تحرير...» تيمّنا بالجبهة الجزائرية.
ولئن كانت الدول تؤسس لها جيوشا ومؤسسات، فإن الجزائر أسستها حركة تحرّر عالمية، وبقيت تتصرّف على هذا الأساس، وهي التي ارتبطت بعلاقات وثيقة مع كبرى حركات التحرّر في إفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية على وجه الخصوص.
إنها «مكّة الثوّار»، كما كانت تسمّى في ستينيات وسبعينيات القرن العشرين، لكن ذلك الزمن ولّى، وأصبحت «الثورية» شبهة في عالم تحكمه الصفقات المشبوهة.
إنه المنعرج الكبير لدولة تفكّر بمنطق تصفية الاستعمار، فكيف لها تواجه هذه العواصف التي تهبّ عليها من كل ناحية؟