بدخول مفاوضات ما بعد «البريكست» المكثفة والصعبة طيلة الأشهر الماضية، مرحلتها الأخيرة والفاصلة، اشتد التوتر مع نهاية المسار الشاق الذي بات من المستحيل أن يتنازل فيه أي طرف عن مصالحه، حتى وإن جاءت الكلفة باهظة والأثر قاسيا، والاقتراب من نفاد الوقت لم يحرك من جمود الاتفاق ولم يطابق وجهات النظر للتوافق حول الآليات التي تجعل شركاء الأمس المتباعدين أقرب احتراما للمنطق والمصالح المتبادلة.
تُوجه دول الاتحاد الأوروبي لوما متواصلا لما يُوصف بحدة النهج البريطاني، وفي كل مرة يخرج المتفاوضون بوفاض خال، وترجح أصوات من داخل دول منطقة الأورو، أن التعثر مصدره المفاوض البريطاني المتعنت، ضَيّق الرؤية ومتجاهل للعواقب الاقتصادية الخطيرة، في وقت مازالت مصادر الشك والخلاف تكمن في نقاط عالقة تشمل ملفات الصيد وشروط المنافسة العادلة والآلية المستقبلية لحل الخلافات.
مازال المفاوضون حول اتفاق ما بعد بريكست، يتوقون بريب واستياء توقيع اتفاق عادل ومستدام ومتوازن، أي منذ المغادرة الرسمية لبريطانيا من الاتحاد الأوروبي في 31 جانفي 2020، ومنذ ذلك الوقت بريطانيا مستمرة في تطبيق القواعد الأوروبية ضمن المرحلة الانتقالية، لأن رحيلها الفعلي من السوق الموحدة والاتحاد الجمركي، لن يُفعّل إلا مع نهاية شهر ديسمبر الجاري.
ومع المؤشرات السلبية والسيناريوهات القاتمة الأقرب إلى الواقع، يبقى التخوف من رحيل من دون اتفاق، ومصير شائك بسبب ما سيتكبد من خسائر، يتقاسمها الجميع.
جونسون رئيس الوزراء البريطاني، يواجه معضلة حقيقية قد تخلط له جميع أوراقه، وتحول دون تحقيق خططه التكتيكية، بعد أن كان يعول كثيرا إثر خروجه من منطقة الأورو، السير نحو إبرام اتفاق شراكة مع الولايات المتحدة الأمريكية، لكن فوز بايدن الذي أعلنها صراحة في حملته الانتخابية، بأن أولوية شراكته لن تكون إلا مع الاتحاد الأوروبي، ولمح إلى أنه لن يوقع اتفاقا تجاريا مع لندن، إذ تبنت حكومتها قانونا يخالف مشروع الاتفاق مع الاتحاد الأوروبي.
بريطانيا ماضية في مسار الخروج ومتشبثة بمصالحها ولا تصغي لأحد، وتبحث في كل ذلك عن شراكات أخرى توسع بها انفتاحها التجاري، على غرار اليابان وكندا، لكن الخروج ليس كالدخول، والخسارة متبادلة بين جميع الأطراف… فهل تحدث المعجزة ويتوصل إلى اتفاق يخفف من حدة التوتر في الوقت بدل الضائع؟