مرّت السينما الجزائرية بمرحلتين مهمتين في تاريخها الفني، تاركة الأثر البليغ على المشهد الثقافي برمته والإنتاج السمعي البصري على وجه الخصوص، قد يشاطرني الكثير الرأي وقد يعترض البعض الأخر فيما أقول، ولكن في عجالة من ذلك، الجميع يشهد على العصر الذهبي للسينما الجزائرية في السبعينيات ونهاية الثمانينيات من القرن الماضي وكيف استطاعت الشاشة الكبيرة الولوج إلى أكبر المواعيد السينمائية في العالم من أبوابهما الواسعة متحصلة على السعفة الذهبية لمهرجان « كان «وميداليات المهرجانات العالمية على أحسن سيناريو وعمل بكل جدارة واستحقاق.
في تلك الفترة من مجد الصناعة السينمائية كانت هناك رسائل قوية من جيل صغير لكنه تربى في أحضان الكبار فبقي كبيرا، لم تغيره الظروف ولم تؤثر فيه الشهرة، فهؤلاء يملكون إرادة من فولاذ على غرار مصطفى بديع، عمار العسكري، الأخضر حامينة، راشدي، رابح لعراجي، وغيرهم، وظلت النصوص والسيناريوهات في قمة الحبكة والإبداع، تجعل المشاهد مشدودا بأحداث الفيلم الى ساعات طوال دون ملل، ولا معرفة مسبقة لنهاية القصة مهما كانت نوعيتها كوميدية، تاريخية أو بوليسية، وهي العملية الإبداعية التي نفتقدها اليوم للأسف، فمباشرة من أول عرض للفيلم تظهر بوادر نهايته جلية دون «سوسبانس» ولا تأثير تمتد تياراته ليغرق المشاهد في غواية الأسئلة والأجوبة.
في العشرية الماضية، اغترف البعض من البحبوحة المالية حد الثمالة، وعوض النوعية الفنية ودغدغة المشاهد بتفاصيل الافلام، لم تقدم الصناعة السينمائية ولو الجزء الضئيل من ما قدمته في عهد الابيض والأسود وما تبعه فيما بعد قبل حلول التسعينيات، فلا النصوص كانت في المستوى ولا الافلام بقيت عالقة في ذاكرة المشاهد لا يمل من إعادتها كلما سمحت له الظروف بذلك ليكتشف في كل إعادة حيثيات جديدة، غفل عنها في مشاهدات سابقة.
صرفت الملايير من الدينارات في العشريتين السابقتين، على أفلام لم تر النور ولم تعرض في قاعات السينما، أصحابها لا يزالون الى اليوم ينتظرون المدد المالي، نجواهم في ذلك، هل من مزيد؟ وطموحاتهم عالقة على حافتي الطمع والجشع.
لقاء وزيرة الثقافة بعمال السينما لا يحتاج الى نقابة أوالى اتحاد بل يحتاج الى اعادة تنظيم البيت وتحديد الأولويات بين الوصاية والعمال الذين يشتغلون في عالم السينما وهو مصدر رزقهم الوحيد وليسوا عمال المؤسسات الذين يخضعون الى نظام الوظيفة العمومية، فصناع السينما هم نواة العملية الابداعية وسعادتهم لا تكمل إلا بنجاح مشاريعهم السينمائية بعد الرعاية والاهتمام.
أولوية الوصاية في توفير التكوين والمرافقة ثم الشروع في انشاء مدينة سينمائية تغني عنهم التنقل الى دول الجوار وهدر المال العام في الديكور، وما ذلك على الجزائر ببعيد، نمتلك كل المقومات والمرافق التي تؤهلنا لنكون مدينة سينمائية بكل الاوصاف وفي كل الفصول ودونهما لن نستطيع اعادة مجد السينما الضائع، وأية غفلة قد تنذر نحو الأسوء ولنا في دول الجيران خير مثال.