نتيجة تمرّدنا على الموازين البيئية وإخلالنا بها، أصبح فيروس كورونا المستجد عابرا للقارات، وهو اليوم لا يبالي ولا يحتاج لتأشيرة بيومترية لعبور الحدود الإقليمية للدول، بل اختار معبرا آخر لا يُرى بالعين المجرّدة.
هذا الضيف غير المرّحب به، يقتحم بيوتنا، أماكن عملنا، مواقع عيشنا، ولكن بصمت يفوق الذرة، يختار الأجساد ليدّمرها، هل ممكن لنا أن نتنفس إذا احتل قفصنا الصدري؟ بلا شك لا. إذا فلنجني ما زرعنا.. هذه نتيجة لم تكن على البال، لأن الوعي يُصنع ويُبنى ولا يُصدر أو يُستورد ليكون مصيره القمامة.
من أين بدأت القصة؟ لا شك بالرجوع لأول آية نزلت علينا وهي «إقرأ باسم ربك الذي خلق».
هل في الحقيقة لم نقرأ الحق الوافي لنجيب اليوم عن سؤال لم ننتظره، أم أننا لم نكن نملك الفطنة والحكمة الكافية لاستشراف مثل هذه المعضلات التي كان علينا أن نعد لها العدة؟ هذه وحدها كانت ستجعلنا ننتظر سؤالا مثل هذا، لأننا لم نهتم فعلا. اهتممنا باستهلاك كل شيء وأي شيء، لينتهي بنا المطاف في هذا المنعرج الصحي المصيري، وهو استخدام العلم لحماية البشرية من وباء بشهرة تفوق شهرة العلماء الذين كانوا يعملون في صمت ولا تكاد أفكارهم ونتائج بحوثهم تظهر للواجهة لتأخذ حقها من الإشهار في وسائل الإعلام، لنقع في شباك وباء يأخذ في الأول العشرات، المئات فالآلاف، بل الملايين إذا ما جمعنا الأرقام ولم نختزلها.
اليوم، حان الوقت لنمسح كل ما على الطاولة من بقايا رذاذ لفظته أفواهنا من كثرة التمادي في أقوالنا والابتعاد عن علمائنا وفقهائنا. لم نحترم ببساطة تسيير أجدادنا يومياتهم التي لم تكن تخلو من وصفات تستخدم في تعقيم بيوتهم بمواد طبيعية، لم نكن ندري أنه سيأتي يوم نحتاجها فيه عندما تخوننا جيوبنا.
لكن، للأسف، طغت المادة على أنماط حياتنا وجعلتنا مستهلكين فقط، نرمي مخلفاتنا وراءنا ومشينا في الأرض عابثين، نعيث فيها فسادا، أعداء للطبيعة وبيئتنا. ألم يحن الوقت لتعقيم حياتنا ونبدأ بالسطح الذي ملأناه مأساة بشرية؟، فنعطِ للعلم حقّه.. وفقط.