تحوّلت حقوق الإنسان إلى ورقة ترفعها بعض الدول وتوظفها كما يحلو لها وكأنّها وصية عليها أو «باروميتر» يحدّد مدى احترام هذه الحقوق، بل أصبحت توزّع شهادات «حسن السلوك» على الدول والحكومات عبر تقارير أو قرارات تفوح منها رائحة الانتقائية والانحياز؟!.
هذه الدول والحكومات، التي تطلق على نفسها ديمقراطية ونصبّت نفسها وصية عليها، تمتلك جميعها أحدث وسائل القمع البوليسي، كما تمتلك جيوشا من قوات مكافحة الشغب مدجّجة بالعصي، مدافع المياه والصواعق الكهربائية...إلخ، وأكثر من ذلك هي من تزوّد الدول التي تتهمها بانتهاك الحقوق والحريات بهذه الوسائل.
ولكن من المفارقات أنها عندما تقمع شعوبها تسمي ذلك عنفا مشروعا من أجل حفظ النظام العام وفرض احترام القانون، وعندما تستعملها حكومات أخرى تقول بأنه عنف بوليسي ضد متظاهرين سلميين، وهذا تبرير للعنف، لأنه مرفوض أيّا كان عاقره، عاصره وحامله؟!
أثبت التاريخ والوقائع أن المصالح وحدها من تكيّف على ضوئها الخطابات والتصنيفات. من منّا لا يتذكّر زيارة الرئيس الأمريكي السابق، باراك أوباما إلى بورما - في أوّل خرجة له بعد انتخابه لعهدة ثانية - رغم أن إدارته نفسها كانت تصف هذا البلد بأبشع النعوت، ولكن ذلك لم يمنعه من زيارة جاءت في أوج أبشع حملة إبادة للمسلمين في هذا البلد؟
وماذا عن باريس التي سارعت إلى إرسال طائرة محمّلة بالعصّي وقنابل الغاز لإنقاذ نظام بن علي وقمع انتفاضة التونسيين؟! وحالات أخرى كثيرة ساندت فيها، من تطلق على نفسها (الديمقراطيات)، أنظمة ديكتاتورية وحشية لأنّها كانت ترعى مصالحها فقط، ولكن وبمجرد التوقّف عن ذلك (الرعاية) تدوّن أسماؤها في سجّل الوحوش الآدمية؟!.
لم يعد هناك عاقل يصدّق هذه التصنيفات الملفّقة والتّهم الجاهزة، إلى درجة أن بعض التقارير أصبحت وكأنّها «تحت الطلب»، تستخرج من الأدراج ولا يتغيّر فيها إلا التاريخ.
في الأخير وفي انتظار فتوى من البرلمان الأوروبي، في أيّ خانة يصنّف قمع الشرطة الفرنسية للمتظاهرين السلميين ضد قانون «الأمن الشامل»؟.