تمثل الصناعة الميكانيكية القاطرة التي تسحب وتدفع بقطار التنمية الذي ينطلق مجددا من محطته الرابعة نحو أفق جديد يرتكز على مشاريع استثمارية تعزز المنظومة القائمة. لا يتم هذا من فراغ وإنما يستمد مضمونه من مخطط عمل الحكومة الذي يضع ورقة طريق للسنوات الخمس القادمة وفقا لمعادلة تقوم على ضوابط دقيقة أبرزها ضرورة صياغة الخيارات المناسبة والممكنة للمشاريع وترشيد التمويلات العمومية وتنمية الموارد البشرية في جهاز مندمج ومتكامل يجلب إليه القطاع الخاص الوطني المنتج وكذا برامج شراكة مع متعاملين أجانب ينخرطون في الديناميكية الوطنية للاستثمار بأبعاده الاجتماعية.
وزير الصناعة لدى تنقله إلى وهران مؤخرا أطلق إشارات واضحة تؤكد أن قطاع الصناعة يبقى من أولويات المرحلة معلنا عن وجود عمل يتم التحضير له ضمن مسودة إصلاحات عميقة من اجل كما قال ‘’تعزيز المكاسب وتنمية المبادرة الاستثمارية’’ بالارتكاز على تعميق مسار النهوض بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والانتهاء بسرعة من الجدل حول العقار الصناعي بالمرور إلى بناء وتهيئة مناطق صناعية جديدة ومن ثمة طي صفحة نقاش لطالما أضاع الفرص الثمينة واستنزف الموارد بشأن مسألة العقار التي لا يبدو في المقابل أنها أعاقت متعاملين أجانب كثر ذهبوا مباشرة إلى الهدف.
الكرة من الآن في مرمى المؤسسات جميعها عمومية وخاصة ومختلطة للانطلاق في مسيرة الاستثمار في المشاريع الصناعة وما يرتبط بها من مناولة والخروج من دائرة نقاش تقليدي كان يستمر البعض في رفع مطالب تتعلق بأسس ومبادئ الخيارات الوطنية الكبرى قلل شركاء أجانب من التركيز عليها، مثل قاعدة 51/49 لمشاريع الشراكة ذات الرأسمال الوطني والأجنبي، هذه القاعدة لم تدرج عبثا وإنما كانت في سياق الحرص على منع تكرار ما حصل مع شركاء أجانب دخلوا إلى السوق الوطنية مستثمرين لينقلبوا إلى تجار فرص ببيع أصول شركات بنيت بتحفيزات من الخزينة العمومية ومرافقة من الدولة.
لا يبدو أن هذه القاعدة الجوهرية، لما توفره من ضمانة لحقوق الدولة ومن ثمة المجموعة الوطنية، عطلت مشاريع شركاء أدركوا مبكرا أهمية السوق الوطنية ومؤشرات نجاح المبادرة الاستثمارية بالرغم من بعض المسائل المرتبطة بالمناخ المتجه للتحسن. مشاريع عديدة وذات ثقل اقتصادي تجسدت وهي اليوم حقيقة في السوق، مثل مصنع تركيب السيارات بوهران ونظيره لتركيب الشاحنات والحافلات بالرويبة والورشة الأخرى بتيارت وقسنطينة. إنها منارات لعمليات شراكة تعيد الاعتبار للصناعة الميكانيكية وتؤسس البيئة المطلوبة لبعث المناولة مما يشجع الرأسمال الوطني الخاص بالدرجة الأولى على دخول الساحة وتجسيد مشاريعه خاصة للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تملك تجربة قبل أن تتعطل في مرحلة سابقة. لعلّ القيمة المضافة في بعث الصناعة الميكانيكية الثقيلة قدمتها أيضا - وبشكل جدير بالملاحظة- دائرة الصناعة بالجيش الوطني الشعبي من خلال مسار الشراكة مع أطراف راهنت على السوق الجزائرية وإمكانياتها خاصة بالنسبة للموارد البشرية والمنشآت القاعدية لنسيج صناعي اكبر بكثير من أن يترك للضياع أو يدفع به إلى سوق التنازل بالدينار الرمزي كما سعى إليه بعض الأطراف قبل أن تمسك الدولة بالملف وتعيد إليه الاعتبار. مشروع الشراكة الذي أعاد الحياة لمركب الصناعة الميكانيكية بالرغاية ومنه للمحاور الأخرى المرتبطة به أسقط روايات المشككين بعد أن تم الكشف عن أول شاحنة بمعايير العلامة الأم “مرسديس” بمساهمة رأسمال عربي من الإمارات ويد عاملة جزائرية أكدت احترافيتها وإتقانها مما يقدم رسالة قوية للمتعاملين المترددين ويسكت أصواتا حاولت على قلتها التشكيك في الخيار بأبعاده الاقتصادية والاجتماعية.
من الطبيعي اللجوء كلما اقتضت الحالة إلى إدخال ترتيبات لتحسين مناخ الاستثمار لكن ليس إلى درجة المساس بأسس السوق الاستثمارية، ولذلك يمكن التدقيق في استعمال البنود والأحكام القانونية الصارمة في قطاعات حساسة وتملك فيها الجزائر طاقة تنافسية مع قليل من التأهيل والمرافقة وترك الباقي من القطاعات غير الأساسية للمنافسة الوطنية والأجنبية لكن عبر الدخول إلى سوق البورصة التي ينتظر أن تستعيد وظيفتها وتتخلص من وضعية أقرب للخمول واللانشاط بالمفهوم السليم لدور البورصة، التي يجب عليها أن تكون أكثر مبادرة وتتخلص من المعوقات والقيود التي تكبلها لتتجاوز وضعها الراهن المثير للجدل في ظل بيئة أكثر جاذبية وتحفيز لانتقال رؤوس الأموال. لعل وزير المالية الجديد سوف يعطي لها دفعا ملموسا يعيد إليها النفس ويضخ في دواليبها دما جديدا مما يسمح لبورصة الجزائر بمواكبة المسار الاستثماري والتحسب للتحديات القادمة بفعل إحالة كل ما هو اقتصادي لمعالجة تتكفل بها آليات ذات طابع اقتصادي في نفس الوقت الذي يتم فيه الحد من دور الإدارة في ذلك.
كلمة العدد
الصناعة في الطليعة
23
ماي
2014
شوهد:770 مرة