لماذا يخشى المغرب إجراء استفتاء تقرير المصير في الصحراء الغربية، بما أنه متأكد أن هذا الإقليم هو جزء من مملكته، وشعبه هو بعض من رعيته؟
الجواب الوافي والشافي والصّريح، يكمن في أن المغرب يرفض تنفيذ الحق الشرعي للشعب الصحراوي في تقرير المصير عبر استفتاء يختار فيه بين الاستقلال أو الانضمام إليه، لأنه ببساطة يدرك تمام الإدراك بأن الصّحراويين أبعد من أن يكونوا جزءا من شعبه وسيختارون بالضرورة الاستقلال بدولتهم وبالتالي النتيجة ستكون ضياع هذا الإقليم منه والذي يدرّ عليه ذهبا بما يكتنزه من ثروات وخيرات.
وبما أن السؤال يجرّ الآخر، هناك علامة استفهام كبرى تفرض نفسها لمعرفة الدوافع التي جعلت المغرب يقبل في أوت 1988 بخطة السلام التي اقترحها الأمين العام الأممي آنذاك دي كويلار والتي تضمنت إجراء استفتاء يختار من خلاله الصّحراويون بين الانضمام إلى المملكة أو الاستقلال عنها، كما وافق على وقف إطلاق النار في سبتمبر 1991 وشكلت الأمم المتحدة «المينورسو» وهي البعثة المكلفة بتنظيم الاستفتاء. وتم اعتماد الإحصاء الإسباني لعام 1974 لتحديد الهيئة الناخبة الصحراوية.
الجواب هنا أيضا واضح، فالاحتلال المغربي أراد من خلال موافقته المخادعة على خطة السلام الأممية ضرب عصفورين بحجر واحد؛ من جهة وقف الحرب التي أرهقته وكلّفته الكثير، ومن جهة ثانية العمل على إغراق قوائم الناخبين بمئات الآلاف من مستوطنيه الذين ساقهم إلى الصحراء الغربية فيما يسمى «مسيرة العار» عام 1975، ولما أجهض الصحراويون مؤامرته هذه، لجأ إلى عرقلة الاستفتاء بكل الطرق والوسائل، مستندا إلى متواطئين كانوا ولازالوا يحمون ظهره في مجلس الأمن الدولي. وتمكّن بفعل هذا التواطؤ، أن يجمد القضية لثلاثة عقود كاملة ويحرّف مسار حلها ويحصره في خيار الحكم الذاتي الذي أجزم بأنه سيرفض تطبيقه حتى لو قبل الصحراويون به، لأن الأمر بالنسبة إليه محسوم «الصحراء جزء من أقاليمه الجنوبية»، كما يتوهّم طبعا.
أعود في الأخير لأكرّر نفس السؤال المطروح في البداية «لماذا يخشى المغرب الاستفتاء؟» وأنا هنا لا أبحث عن جواب فهو معروف، بل لأشير إلى أن دولا كثيرة لجأتإلى هذا الخيار والأمثلة كثيرة، آخره الاستفتاء الذي نظّم في كاليدونيا الجديدة في 4 أكتوبر الماضي، حيث حسم الراغبون في عدم الانفصال عن فرنسا النتيجة. وفي 2014 أجرى الاسكتلنديون استفتاء تاريخيا للخيار بين الانفصال عن المملكة المتحدة وتشكيل دولة مستقلة أو الحفاظ على الوحدة معها والقائمة منذ 3 قرون، وقد اختاروا البقاء ضمن حاضنة المملكة المتحدة. وكذلك فعل سكان كتالونيا وإقليم كردستان العراق الذين رفضوا الانفصال. لكن شعوبا كثيرة نالت استقلالها عبر الاستفتاء، مثل تيمور الشرقية التي قررت الانفصال عن أندونيسيا في استفتاء نظّم في أوت 1999، وأيضا جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، مثل كرواتيا وأرمينيا وأوكرانيا وأوزبكستان، وحتى دولة جنوب السودان...
المغرب باختصار، سيظل فوق القانون والشرعية، مادامت هذه الأخيرة في قبضة حفنة من الدول مصلحتها المادية قضت بالوقوف معه، وليبحث الصحراويون عن حل لقضيتهم خارج أسوار الأمم المتحدة.