قبل سنين صنع صحفي جزائري الحدث وأصبح زملاؤه في دار الصحافة يتندرّون به، عندما تابعوا تدخّله عبر الهاتف في نشرة الاقتصاد لقناة فضائية شهيرة وقد عرّفته بـ»المحلّل النفطي»، ولم يكن في الحقيقة إلا صحفيا «عاديا» لا علاقة له بالنفط، إلا ما ينقله عن وكلاء الأنباء.
ولم يكن حال ذلك الزميل يختلف عن حال كثير من الصحفيين والأستاذة والمواطنين العاديين، الذين يمرّون عبر تلك القنوات بتعريفات من قبيل «محلل سياسي» و»محلل استراتيجي». وبلغ الأمر ببعض المعلقين إلى القول إن التحليل السياسي والاستراتيجي أصبحت مهنة من لا مهنة له، وقال بعضهم ساخرا إنه كان يوّد مواصلة تعليمه والحصول على شهادة جامعية، لكن الحظ لم يسعفه فتحوّل إلى «محلل سياسي».
ويبدو أن ما بدأته الفضائيات من تعرية للمشهد والحقائق المزيّفة، أكملته جائحة كورونا، التي كشفت المستور وأظهرت كثيرا من الأشياء بدون عمليات تجميل مزيّفة.
والإعلام الذي ظل يتغذي على «الأخبار المزيّفة» انكشف وانكشفت معه هشاشة كثير من القطاعات في بلدان العالم، بيّنت أننا نعيش فعلا في غابة كبيرة، القوي فيها يأكل الضعيف، وأن المافيا لا تقتصر على سارقي أموال الناس وقاطعي الطرق وتجّار الحروب، بل تعدّها إلى الشركات الاحتكارية الكبرى المتحالفة مع المافيا السياسية والتي تتلاعب بأرواح ملايين الناس من أجل تنفيذ خارطة طريق، نهايتها تدمير اقتصادات وربح الملايير من الدولارات من عائدات الأدوية.
ووصلت التعرية مداها، عندما نكتشف أن من نسمّيهم خبراء الصحة، لا يملكون من الخبرة إلا كلاما عاما يردّدونه في كل مرة، ولا يختلفون عن «المواطن العادي» الذي يتغذى فكره من الخرافات والأساطير.
أن تستمع إلى «تحاليل» عشرة من الخبراء، فإنك في الغالب ستستمع إلى عشر روايات متناقضة ومتضاربة، لتدرك أن حالهم لا يختلف عن حال رجل لا يقرأ ولا يكتب. وكنا نظن أن الاختلاف في وجهات النظر، يقتصر فقط في عالم الأفكار وأن ميدان الطب هو العالم الدقيق الذي لا يختلف فيه إثنان.
إنها بعض «فضائل» الجائحة، التي يبدو أنها بيّنت كثيرا من الأشياء على حقيقتها.