الأمن الفكري مثل الأمن الزراعي، والصناعي والاجتماعي والأسري، يحتاج من يزرع بذرته ويراقبها وهي تخطو وتنمو ويساعدها على التطور، من أول يوم يتفق فيه الباحثون عن الأمن الفكري على أرضية ينطلقون منها، ويُوسّعونها، بما يتوفر من وسائل دعم مشروع كهذا، يتطلب عقولا وأدوات تنفيذ، ومراجع، قد لا تكون بالضرورة كتبا، مثلما قد يُفهم من هذه الكلمة، التي درج المثقفون على توظيفها في أحاديثهم «النخبوية»، أو لدى طالب يطالبه أستاذه من أول يوم في الجامعة بقائمة مراجع يعتمدها في بحوثه لاحقا..
الأمن الفكري يبنى لبنة لبنة من سنة أولى ابتدائي، وحتى الجامعة، التي تشجع الطلبة على التفرقة بين الفهم والإيديولوجيا، والمرجعية الوطنية والهوياتية والثقافية، وما يواليها من مفاهيم ومواطنة تُعمق الإلتصاق بـ»الخصوصية الجزائرية»، التي تلاعب بها استعمار فرنسي، ولم ينجح في تفكيكها، وفصل الثلاثية الشهيرة التي تُشكل هذه الخصوصية كحبات سبحة عن بعضها بعضا: الإسلام والعروبة والأمازيغية..
هذا الجانب، الذي شجع كثيرون العمل عليه (باحثون خصوصا)، وتنميته بما يقي البلاد ارتجاجات عنيفة كالتي عرفتها في التسعينيات، هو نقطة يتوقف عندها مثقفون وسياسيون كُثر، ولكن بطرق غير مباشرة في الغالب، ويثيرونه من باب أقرب إلى إثارة «خلافات إيديولوجية»، منه إلى أرضية مشتركة يتلاقى فيها من يبحثون عن مستقبل خال من التجاذبات المؤدلجة التي لا تسمح بنقاش عام ومفتوح على حقائق سوسيولوجية جديدة، تقول إن المعربين اكتسحوا سلالم التربية والوظيفة، وأن الترجمات التي سهلت التنقلات العلمية، دون المرور على لغة المستعمر سابقا، أفضت إلى فتح أبواب رؤى جديدة، لا تمر بالضرورة، على المنعكس الشرطي التقليدي: إذا عطست باريس ستصاب الجزائر بالزكام!