احتل انتخاب رئيس جديد للولايات المتحدة الأمريكية كالعادة، صدارة اهتمام الرأي العام العالمي وجعل الكثيرين يقفون على أصابع أقدامهم، بالنظر إلى وزن هذه الدولة القوية اقتصاديا ونوويا وتكنولوجيا وهيمنتها على دوائر صنع القرار الإقليمي والعالمي، باعتبار التوجه الأمريكي معيارا شديد التأثير في السياسة العالمية، ومن الطبيعي أن تكون شخصية الرئيس الجديد مسألة حيوية وحاسمة في مستقبل النظام العالمي.
اهتمام الشعب الأمريكي يتطابق مع نظيره العالمي في هذه الانتخابات الحاسمة، على خلفية أن الرئيس الأمريكي الذي يتربع على كرسي البيت الأبيض، ينظر إليه بمثابة المهندس الأول والأخير الذي سيعيد رسم معالم خريطة العالم ويعيد ترتيب العلاقات الدولية ويحاول حل الصراعات، لكن مع تقديم مصالح وامتيازات بلده، بما فيها الاقتصادية، لأن واشنطن تسيطر على حصة ضخمة لا تقل عن 25 بالمائة من الاقتصاد العالمي.
تشرع عديد الدول في ترتيب أوراقها وتحديد غاياتها بما يتناسب مع بوصلة وسياسة الرئيس المقبل خلال الأربع سنوات المقبلة، لأنه إلى غاية اليوم مازالت أمريكا العظمى صاحبة الكلمة الأولى والأخيرة وكل القوة تتمركز في يدها، إلى أن تتغير الموازين، لأن الحديث عن توقع ضعف هذه الدولة الكبيرة والبعيدة خلال العشرية المقبلة وبروز قوى أخرى تشاطرها النفوذ، سواء كانت الصين أو الاتحاد الأوروبي أو الهند أو كل هذه الدول مجتمعة، سابق لأوانه.
العالم العربي بدوره يتأثر وسيعاني من جديد، إذا تواصل الاضطراب ونمت شياطين الحروب الممزقة لمنطقة الشرق الأوسط، وواصلت إسرائيل في انتهاج سياسة التهام المزيد من الأراضي العربية وتضييق خناقها على الشعب الفلسطيني، والتهاون في مسار السلام بصيغته المنصفة لأصحاب الأرض وتضييع فرص إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس الشريف، إذا رئيس جديد لدولة قوية تتمركز في يدها جميع السلطات التي تحكم العالم سياسيا وعسكريا، في وقت مازالت الدول الضعيفة والمظلومة، بما فيها العربية تبحث عمن ينتشلها من سياسة الكيل بمكيالين التي أغرقتها في معاناة أكبر ومستقبل أسود شديد الضبابية، من دون أن تصل إلى سلام ينصفها.