لست أدري لماذا عندما يُذكر إسم مالك بن نبي أحسّ أن الرجل والمفكر لم يأخذ حقه من تبسة إلى تلمسان ومن العاصمة إلى تمنراست، وفي كل جامعة مزروعة في هذه الرقعة الجغرافية.. القارة!
الرجل الذي جمع خيرة مقالاته، في الخمسينيات، في كتاب «في مهب المعركة»، حاول طوال عمره الممتد من 1905 إلى 1973 أن يكون إنسانا في المعادلة الحضارية، لا رقما في الإحصاء الفرنسي، زمن الإحتلال، وقذف «الآنديجينا» بعيدا عن محيطه المباشر، الذي كان يتشرب في صمت فكرته عن «القابلية للإستعمار»، وهي تحذير قوي حيال الذوبان في ثقافة ومحددات المستعمر، والتخلي على الهوية وعن الحق في الإنسانية، الذي خصّه ابن نبي بكتابات متناثرة، بين الأربعينيات والستينيات، وظهرت أقوى بصمات هذه النظرة الخاصة في ثلاثية الأرض والزمن والإنسان، أي الحضارة بتعريفه، الذي نثر قدرة على استشراف الآتي في زمن الاحتلال، وقدرة على قبول الآخر، بقوة الحجة، لا بديمقراطية القبول بالأمر الواقع..
تبنى ابن نبي قواعد تفكير كلية فسّر بها الواقع والتاريخ، وتلخصت أفكاره في العوالم الثلاثة: عالم الأفكار، وعالم الأشخاص، وعالم الأشياء.. وهي عوالم تتجلى في الظواهر الإنسانية والاجتماعية، ولكنها لا تتجلى منفردة.. ومنها طرح السؤال عن أسباب تقهقر المسلمين في أغلب كتاباته.
ابن نبي، الذي يعود مرة أخرى مثل «شاهد على القرن»، يستصرخ في الذين قرأوا كتبه قول كلمة فيه، تنصفه وتخرج منه ما اغبرّ على صفحات الفكرة الأفرو-آسيوية، وغيرها من الأفكار، التي لم توقفها محاولات إقصاء هذا الذي يقال عنه اليوم إنه «رجل جيو-استراتيجي»..