مع بداية الأزمة النفطية منتصف ثمانينيات القرن العشرين، أنتج التلفزيون الجزائري فيلما عنوانه «ما بعد البترول»، حمل حيلة فنية انطلت على كثير من البسطاء، عند تصاعد الخط الدرامي، حدث ما يشبه قطع البث من أجل الإعلان عن خبر عاجل قدّمته نجمة الأخبار حينها زهية بن عروس، التي بدت في قمة الحزن وهي تعلن «نهاية البترول»، ليعود معه الناس إلى الحياة البدائية الأولى.
ولم تعد الأرواح إلى الأبدان إلا بعد تأكيد التلفزيون أن الأمر مجرّد حيلة، لكن الهاجس تواصل مع تراجع أسعار النفط أكثر فأكثر، والذي كانت نتيجته ما حدث في تسعينيات القرن العشرين.
ورغم تأكيد النخبة السياسية والثقافية في كل مرة، على ضرورة «بناء اقتصاد حقيقي» بعيدا عن ريع المحروقات، فقد بقي الأمر في دائرة الخطاب. وزاد الأمر سوءا مع عودة الأسعار إلى الارتفاع من جديد مع بدايات العشرية الأولى من القرن الجديد، حديث انتعشت الخزينة العمومية بمئات الملايير من الدولارات، التي تفنّـن اللصوص في نهبها، مرّة باسم الاستثمار الصناعي والتجاري ومّرات تحت عناوين اجتماعية برّاقة.
لقد نسي مسؤولون تماما مؤقتا حكاية «تنويع الاقتصاد» وهم غارقون في كيفية توزيع الريوع، التي بدت أنها لن تنتهي، لكنهم تذكّروا الأمر فجأة وعاد الخطاب، الذي ساد نهاية الثمانينيات من جديد حول كيفية «العبور إلى الاقتصاد الأخضر».
وفي زمن الحديث عن كيفية استغلال الغاز الصخري من عدمه، يخرج إلينا وزير الطاقة بأرقام جديدة يقول فيها، إن الجزائر تكون قد استهلكت نصف احتياطاتها من البترول والغاز وأن «الأمن الطاقوي الوطني سيكون مضمونا إلى غاية 2040 على الأقل».
إنها الأرقام التي تطمئن البعض، وقد تدفع آخرين إلى «النوم في العسل» مدة عشرين سنة على الأقل، لكنها في المقابل لا تؤكد أننا في مأمن، فقد تبيّن، حسب كثير من الدراسات الجديدة، أن نهاية عصر البترول ليست مرتبطة بالضرورة بنفاده، فقد نبدأ عصرا شكل مفاجئ يتجاوز تلك الطاقة، التي سيصبح ثمنها لا يساوي شيئا، ويبدو أن إرهاصات ذلك العصر قد بدأت بالفعل...