بعد اختيار تونس لاحتضان الحوار السياسي اللّيبي- اللّيبي لتسوية الأزمة، مطلع نوفمبر القادم، تكون الأمم المتحدة قد عادت إلى رشدها ولو شكليا في المسار الصحيح لحل النزاع القائم في الجارة الشقيقة، منذ «الثورة اللّيبية»، ودخلت على إثره البلاد في حرب أهلية وتحوّلت إلى ساحة صراع للقوى الغربية الكبرى عاثت فيها جرما وفسادا.
الحوار الشامل لجمع الفرقاء اللّيبيين كان مقررا في جنيف، منتصف الشهر الجاري، ثم غيّرت البعثة الأممية مكان الحوار إلى مالطا بحكم القرب الجغرافي من ليبيا والبعد سياسيا عن القوى الأجنبية النافذة في الصراع، بهدف استبعاد النفوذ الغربي عن مجريات الحوار، وإن كانت الأعراف الدبلوماسية تنص على حياد الدولة المضيفة في سير المفاوضات، لكن «الواقعية» المهيمنة على المشهد السياسي العالمي ترفض ضمنيا هذا الطرح، وحلت «البراغماتية» و»الايديولوجية» محل حماية المصلحة العامة ؛ في تغير جوهري لمفهوم العلاقات الدولية في القرن الواحد والعشرين.
الإعلان عن تغيير مكان الحوار لم يكن مفاجئا، لأن دول الجوار الليبي أثبتت نواياها الحسنة والصادقة في تسوية الأزمة بواقعية بعيدا عن البراغماتية.
الجزائر كانت سباقة في تقريب وجهات النظر بين أطراف الصراع الدائر في ليبيا من خلال احتضان الحوار السياسي سنة 2015، وتمكنت عبر دبلوماسيتها المشرفة دوليا من إقناع الأطراف على الحوار في خطوة ضرورية لنجاح المصالحة.
بالفعل نجحت الجزائر في تقريب وجهات النظر، لكن سرعان ما تبدّدت تلك التفاهمات والاتفاق، وعملت قوى دولية عدائية على استبعاد الجزائر من مساعي حل الأزمة الليبية لحاجة في مصالح تلك الدول، والليبيون الأشقاء يدركون تماما ذلك السيناريو المفضوح، وكانت مرارة الشعب الليبي أعمق بعد علمهم بدولة جارة تسببت في تأجيج الوضع لغرض مصالح أجنبية لا غير!
من المؤكد ان عودة حل الازمة الليبية في اطار بعدها الاقليمي الجغرافي والسياسي ضمن الفضاء المغاربي، واختيار تونس لاحتضان الحوار الليبي- الليبي سيكون له الأثر الايجابي لتسوية الأزمة نهائيا، فالجوار أولى باحتضان الصلح، واللّيبيون أنفسهم يدعون دول الجوار وفي مقدمتها الجزائر وتونس لمد يد العون، بعيدا عن جنيف ومالطا، لأن القاعدة تقول «أهل مكة أدرى بشعابها».