لا يكاد صوت الحرب يسكت في مكان، حتى يبرز توتر جديد في منطقة أخرى، لأن الحرب الدائرة رحاها في القوقاز شرسة ومرعبة وتنبئ بتطورات خطيرة أقلقت دعاة السلم والاستقرار المدافعين عن حقوق الإنسان، فتعالى ضيق شديد وهلع انتاب جميع الأحرار في العالم، خوفا من تكرار سيناريو نقل الإرهابيين والمرتزقة الذين مزقوا سوريا وأحرقوا ليبيا، محذرين من نقل نيران الحروب وآلة الدمار إلى إقليم ناغورني كره باغ، الذي بات على بعد خطوات من قبضة الشياطين وتجار الدم.
ولأن الخطر صار قريبا من أسوارها الهشة، على إثر تجاهل الهدنة الإنسانية... فمن يقف وراء تقويضها ويسارع بمكر في نقل الإرهابيين المرتزقة إلى الإقليم؟
الحرب نعمة لتجار الأسلحة، ودمار وفناء للضعفاء والأبرياء، لأن المصلحة وحدها ما يحرك الدول المتعطشة للثروة والنفوذ، بل وتجعلها مستعدة لإبادة نصف البشر لتبسط أطماعها وتحقق أغراضها، كون بيع الأسلحة والمساومة على المكاسب يرفع من صدى صوت العنف ويصعّد من القصف العنيف والحرب الشرسة، التي استوطنت إقليم ناغورني كره باغ الغني أو الغنيمة التي يتسابق لاصطيادها من يدفعون أطراف النزاع لتجاهل الهدنة الإنسانية منتهكين بنود اتفاقها.
من أسوإ التناقضات والمفارقات العجيبة، أن المرتزقة، الذين يقتربون من أسوار ناغورني كره باغ، منهمكون في نقل الإرهابيين بالطائرات ويعبرون المطارات حاملين جوازات سفر تدعمهم أيادي قوية، فيعاملون تماما مثل السياح، لكن وجهتهم الزج بهم في حروب لا تعنيهم تحت طائلة الإغراء المالي، والمؤلم أن أغلبهم من الشباب والمراهقين، يدفعهم فقرهم وقلة وعيهم نحو هذه الطريق الملغمة بالموت. علما أنه منذ اشتداد المواجهات العسكرية ضد تنظيم داعش الإرهابي في سوريا والعراق، اضطر الإرهابيون الأجانب المنضوون في صفوف التنظيم الدموي إلى التوجه نحو موجة ثانية من الخروج العكسي، أسفر عن هروب 43 بالمائة من إجمالي الإرهابيين الأجانب من سوريا والعراق ليستقروا في بلدان أخرى من العالم.
مازالت الحرب في بدايتها ونيران النزاع خافتة وإمكانية استعادة الاستقرار في الإقليم ذي العمق الاستراتيجي متاحا، إذا غلّب منطق التسوية السلمية ووفقت محاولات إجهاض النوايا الشريرة لأصحاب المصالح، في ظل الحديث عن دور خفي تلعبه إسرائيل داعمة بالسلاح وخبرة كبار عسكرييها لأحد أطراف النزاع على أرض المعارك.