هل نحن في بداية عملية إصلاح للدولة أم أنها عملية إعادة بناء كاملة؟ قد لا تكون الإشكالية في المصطلحات، ولكن مع ذلك فهناك فروق شاسعة بين المسألتين.
الإصلاح قد يكون للنظام نفسه في بعض تفاصيل آليات عمله، أما إعادة البناء فهي تصوّر مغاير كلية لطبيعة النظام ولآليات اتخاذ القرار فيه ولطبيعة العلاقة بين السلطات الثلاث. إنه تغيير كامل لمنطق إدارة شؤون الدولة ومنطق العلاقة بين السلطة والناس بالخصوص. لهذا فإن تغيير ثوابت النظام يعني إعادة بناء وليس إصلاحا فقط.
إن تغيير تحالفات السلطة والنظام، خاصة الفصل الواضح بين السلطة والمال، وتفضيل العلاقة مع الشعب وخاصة الفئات الأوسع منه، والاختيار الحاسم للدولة الاجتماعية، كما أوصى بيان أول نوفمبر، بما يعني ضمان عدالة في توزيع الثروة وتساوي الفرص بين أبناء كل الجزائريين، هو أيضا إعادة بناء تؤدي إلى العودة الواعية والمصرّة إلى أسس المشروع الوطني.
ويمكن أن نقدّم أمثلة كثيرة للبرهنة على الفرق بين إصلاح النظام وبين إعادة بناء الدولة وإصلاح آليات عمل مؤسساتها ومنحها نظاما سياسيا جديدا يمنع بالخصوص أي سطو على الإرادة السيدة للجزائريين وأي تحالف ضد مصالح الناس.
كل هذا يتطلب نشر ثقافة سياسية أخرى وبناء خطاب سياسي آخر لدى كل النخب، التي تسيّر شؤون الدولة والتي تنشط في الساحة السياسية، ثقافة تميّز بشكل واضح وأكيد بين السلطة والدولة وبين سلطة الدولة وسلطة المال، فالدولة هي الحامي للكل، للمستثمر وللعامل، وهي التي تضمن حرية الإنسان قبل حرية المال وتضمن حقوق الدولة والمجتمع على المال.
هذه مسائل في حاجة لمزيد الشرح والتوضيح وفي حاجة أكيدة للانتشار في كل الأوساط. تلك من ضرورات الثقافة السياسية الجديدة المؤسّسة للدولة الجديدة وأيضا للنخب الجديدة وآليات العلاقات المتنوعة في المجتمع وفي منظومة الحكم.
هذه ليست طلاسم للمتخصصين في العلوم السياسية، خاصة بعد التجارب الدستورية التي عاشتها البلاد، وجلها لم يتمكن من الوصول بالمشروع الوطني إلى غايته، أي «إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية».