التّغيير الهادئ

فضيلة دفوس
09 أكتوير 2020

لما اهتزّت شوارع مالي في الربيع الماضي للمطالبة برحيل الرئيس إبراهيم بوبكر كيتا، سكنت كثيرين منّا مخاوف من أن تنزلق هذه الدولة، التي تعيش وضعا أمنيا هشّا إلى دوّامة الفوضى والحرب، خاصّة وأن القيادة الحاكمة في تلك الفترة استنجدت بالقوة الصلبة لمواجهة المحتجّين.
لكن لحسن الحظ، ولأن الماليين استوعبوا دروس الماضي، تحقّقت الرغبة الشعبية في التغيير بأقل الخسائر، وتمّت تنحية كيتا وانتقال السلطة بسلاسة إلى رئيس انتقالي مدني هو «باه نداو»، وهاهي البلاد ماضية في إعادة ترتيب البيت وإقرار مؤسسات الدولة، لكن هذه المرة على أسس مغايرة تم خلالها استدراك أخطاء الماضي بما فيها من تهميش وإقصاء لجزء هام من الشعب والسياسيين الفاعلين على الساحة.
دولة مالي برهنت هذه المرة أنها ليست ذلك التلميذ الغبي، الذي لا يستوعب الدروس، بل على العكس تماما، فقد أظهر شعبها وعيا ونضجا كبيرين استلهمهما من ويلات معاناته تحت قيادة ضعيفة كانت بمثابة الدمية في يد المستعمر القديم، الذي لازال ينظر إلى مالي كحديقة خلفية له، وكموقع استراتيجي لا يجب الاستغناء عنه.
قطار التغيير في مالي وضع على سكته الصحيحة، والانطلاقة تبدو موفقة، خاصة بعد أن أسندت حقائب وزارية لحركة «5 جوان»، التي أطّرت الاحتجاجات الشعبية الأخيرة، وتم إشراك الحركات الموقعة على» اتفاق السلم والمصالحة» المنبثق عن مسار الجزائر الموقع عام 2015 في الحكومة.
ومن شأن وجود هذه الحركات في الجهاز التنفيذي - وهي تمثل الشمال الذي ظل على الدوام يعيش على الهامش - أن يدفع إلى الأمام تطبيق الاتفاق الذي رعته الجزائر والتزمت فيه بمرافقة الماليين إلى غاية تجسيده على أرض الواقع، كونه السبيل الوحيد لإعادة الاستقرار إلى هذه الجارة التي تواجه تحديات أمنية واقتصادية كبيرة، بفعل ما تفرضه التنظيمات الإرهابية ومجموعات الجريمة المنظمة من تهديدات تحول، ليس فقط، دون إطلاق العملية التنموية، بل وتضع استقرار المنطقة ككل على المحك.
التغيير المالي يسير في الطريق الصحيح كما نرى، لكن لا مجال للإفراط في التفاؤل فقد اعتدنا دائما على من يستغل ظلام الليل ليزرع الألغام ويغرس القنابل، ولهذا على الماليين شعبا وسلطة انتقالية أن يدركوا من هو صديقهم ومن هو عدوهم، وأن يسارعوا إلى سد كل المنافذ أمام تدخل فرنسا في شؤونهم الداخلية، فهذه الأخيرة وعكس المعتقد تماما، ظلت طول العقود الماضية جزءا من مشاكلهم وتخلفهم، وأن يتلقّفوا بدل دلك، يد الجزائر الممدودة لمساعدتهم على تجاوز هذه المرحلة الصعبة بسلام ففي النهاية أمن الجزائر ومالي واحد.

 

رأيك في الموضوع

أرشيف النسخة الورقية

العدد 19524

العدد 19524

الإثنين 22 جويلية 2024
العدد 19523

العدد 19523

الأحد 21 جويلية 2024
العدد 19522

العدد 19522

السبت 20 جويلية 2024
العدد 19521

العدد 19521

الخميس 18 جويلية 2024