السياسة لابد لها من ساسة ولكن هي اليوم في حاجة إلى مدارس تتولى نخبة مؤهلة بناءها. إذ لا يمكن الاستمرار في اعتبار السياسة مجرد هياكل حزبية، أحيانا كثيرة بلا برنامج حقيقي وبلا قاعدة حقيقية وبلا تنظيم حقيقي.
السياسة ليست الإدارة السياسية وليست الخطاب السياسي، السياسة هي رؤية معرفية فكرية، هي إيديولوجيا عند البعض، وهي الاستماع للمواطنين بكل فئاتهم وفهم قضاياهم وتطلعاتهم، وتقديم بدائل حلول لها، وهي الاستعداد النضالي للعمل من أجل الإقناع بجدوى هذه الحلول.
أقول هذا والبلاد تستعد لبداية جديدة لاستكمال المشروع الوطني لثورتنا المجيدة. ذلك يستوجب من النخب، كل النخب، تطليق المنطق الحزبي التقليدي والتوجه بقوة لبناء المدارس السياسية.
وفي هذا السياق أتصور مثلا أن هناك ورشة ضرورية لإعادة بناء التيار الوطني وإعادة بناء خطاب وطني على أسس جديدة ووفق منهجية حديثة لأن التقدير اليوم هو أن هذا التيار هو القادر وهو المعول عليه في تحقيق التوافقات اللازمة بين كل مكونات المجتمع فكريا ومصلحيا.
طبعا ينبغي أن تتولى نخب أخرى بناء مدارس أخرى في اليمين وفي اليسار وبينهما. إذ يمكن أن تبرز مدرسة سياسية إسلامية وأخرى يسارية وأخرى يمينية. كما ينبغي أن تنتظم المصالح هي الأخرى في المدارس التي تراها مناسبة لها للدفاع عن مصالحها وقناعاتها، إن كانت لها قناعات.
تلك مهمة دولة وليست مهمة سلطة. فلا يمكن أن نتحدث عن حياة سياسية فاعلة مستعدة لتحمل المسؤولية من دون إعداد سياسي منظم ومن دون تأهيل مناضلين ومن دون استعداد نضالي. إن الدولة تقوى بقوة مؤسساتها والمؤسسات تقوى بقوة محتواها البشري والمحتوى البشري يقوى بالشرعية التي يمثلها وبالتوكيل السياسي الذي يحصل عليه في حياة سياسية تنافسية في مجتمع مهيكل سياسيا ومصلحيا.
إنها ورشات ضخمة وضرورية والجزائر الجديدة في حاجة ماسة لها.