مع بدايات انتشار وباء «كورونا»، كسّرت «دار الآداب» اللبنانية إحدى أهم قواعدها، ونشرت نسخة «بي.دي.أف» لواحدة من كلاسيكيات الأدب الحديث وهي «طاعون» ألبير كامو، التي ترجمّها باقتدار اللبناني سهيل إدريس.
ومع أيام الحجر الصحي، عاش كثير من أبناء الجيل الجديد من هوّاة الأدب أجواء «حجر» آخر يجمع بين المتعة والرعب، ويتعلّق بأجواء تلك الرواية التي كانت مدينة وهران مسرحا متخيّلا لها، وقد انتشر فيها الوباء بفعل تراكم القمامات وانتشار الجرذان والفئران الناقلة للفيروس.
وكأن كامو الجزائري المولد والفائز بجائزة نوبل للآداب، يعيش معنا الآن، وهوالذي رحل عن عالمنا بشكل مفاجئ في العقد الخامس من عمره، بعد سنوات قليلة من فوزه بجائزة نوبل للأداب. وتفّنن في تصوير حالة الهلع التي غذّتها الصحافة بنشر الأخبار الكاذبة، المشبوهة المصدر والتي زادت من حدّة معاناة الناس الذين يموت بعضهم رعبا قبل أن يموت بفعل الوباء.
إنها الأجواء نفسها تتكرر الآن في عالمنا الآن، بل في بلدنا تحديدا منذ أن انتشر وباء «كوفيد 19»، حيث «استثمر» البعض الوقت في الثراء السريع بفعل المضاربة في أسعار السميد المواد الاستهلاكية الأساسية، وبعض المطهرات والكمامات الرديئة الصنع، في مقابل حالة الإفلاس التي وصل إليها بعض أصحاب الحرف والمهن المتضررة بفعل «الحجر الصحي».
وبين هذا وذاك، «يبدع» أناس مجهولون في نشر «الفايك نيوز» بطريقة تشبه التي حدثت في رواية «الطاعون» سالفة الذكر.
ولم يكتف البعض بالتلاعب بأخبار «كورونا» والمبالغة فيها، بل روّجوا لأمراض وأوبئة أخرى مثل قولهم قبل أشهر بانتشار «وباء كواساكي» الذي يصيب الأطفال وقالوا إنه انتشر بسرعة وسط فئة لا يصيبها «الكوفيد»، وقولهم الآن إن المالاريا «يأكل الأخضر واليابس» وهو قول يفتقر إلى الدقة على ما يبدو.
إنها أجواء روائية بامتياز، هذه التي نعيشها منذ بدء انتشار «الجائحة»، فيها اللامعقول والرعب والمترقب والأخبار الكاذبة والإفلاس السريع والثراء الأسرع، لكنها تفتقر إلى شيء أساسي وهوالكاتب العبقري الذي يحوّلها إلى نص سردي خالد مثلما فعل ألبير كامو منذ عشرات السنين.