في الآونة الأخيرة، لاحظت وجود «ظاهرة إعلامية» لها حدّان، كلاهما غريب، وكلاهما مرتبط بـ»واقع» نراه، أو نقرؤه، أو نشاهده في التلفزيون.
الظاهرة على شذوذها، وقلّة من يُنشّطون حضورها في وسائل الإعلام، فيها غرابة كامنة في أشخاص يتحدثون عن قطاعات، لا ينتمون إليها عضويا، وغير ناطقين باسمها، وليس لديهم صفة نقابية بسيطة تسمح للإعلام المهني بضمّهم إلى قائمة المصادر.
هذا يتحدث عن التربية وكأنّه ضليع في جوانبها العديدة، وتحدّياتها، وما ينبغي فعله، وما ينبغي تركه، لكن كلّ كلامه يُختصر في الذي يريده أو يرغب فيه هو، لا ما ينبغي فعله للشرائح المعنية بالحديث الإعلامي عن قطاع، هو شيخ القطاعات التي يصطفُ أكثر من ثمانية ملايين نسمة لتحيّته كل صباح، قبل كورونا، وبعدها طبعا!
وذاك يتحدّث عن الجامعة من باب ما يرغب في رؤيته يتجسّد لغاية في نفس يعقوب، وربّما «جاكوب».. لا من واقع جامعي فيه وعليه، وفي كلّ الأحوال يحتاج من يسنُد فيه النباغة، وروح البحث، لا من يزرع فيه فيروس «الأكل متدني».. والطابور طويل!
وثالث يتحدّث في السياسة والتحليل، وكأنّه مركز دراسات بأكمله، وكأنّه العارف بزوايا تفكير بوتين وترامب وماكرون، دفعة واحدة، وعندما تسأله عن مستقبل بلاده، يهرب إلى سور الصين العظيم ويقول: إن شاء الله خير!
ورابع يسابق سيل حصص الفضائيات بأرقام يجمعُها وأقوال يحفظها، يصبُّها في قالب، قد يبدو قالبا مواتيا أو مقبولا، وقلبه يَرفُّ إلى مسؤول قد يراه، لا مشاهد يرفعُ وعيه بقضايا الناس والمحيط والعالم..
في الغالب، تمارس هذه الفئة من المتدخلين في كل شيء وأيّ شيء، إعلاميا، تشويشا على الرسالة الإعلامية في حدّ ذاتها، وتشويشا على المهتمين بفهم ما يدور حولهم، في قضايا يعتبرونها مصيرية بالنسبة إليهم، مثلما هو حال عمال التربية، الذين تتنازع تصريحات كثيرة أسماعهم وعيونهم.. ووسط هذه «الدوخة» يُحدّثهم من لا صفة ولا انتماء لهم عن التقاعد المسبق، وعن من عملوا 32 سنة.. ولله في خلقه شؤون!