شاءت الصدف أن يتم تعيين رئيس دولة مالي لمرحلة انتقالية تزامنا والذكرى الستون لاستقلال البلاد، بعد منعرج خطير، منذ شهر ونيف، تمكن خلاله قادة المجلس العسكري توجيه بوصلة الحكم نحو بر الأمان رغم رياح التغيير، التي تقف خلف الضفة الأخرى من المتوسط « فرنسا تحديدا»، هذه الأخيرة لم تعر الملف المالي كما تعاملت مع بيروت، رغم أن الخلفيات والصراعات الاثنية وطبول الحرب القائمة تقف خلفها الكوندورسي.
يقول المفكر تشومسكي، إن «العلاقات الدولية في القرن الجديد لم تعد ثابتة وباتت سمة التغيير والثوران لصيقة بها، ولم تعد استراتجيات إلهاء الأنظمة الشمولية كاف لتنويم الشعوب في ظل الثورة الرقمية». وما حدث في مالي بالأمس لا يختلف كثيرا عما تحدث عنه تشومسكي في مجال تغير موازين القوى وتراجع مصطلح الاستعمار التقليدي في العالم حيث أصبحت الحرب تدار بوسائل رقمية افتراضية ولا داع لاقتحام الجيوش الميدان، فصعود قوى هيمنة جديدة ذات مصالح ثنائية منح الانظمة الاستبدادية تأشيرة الاستحواذ على أكبر نفوذ في العالم خاصة القارة العجوز.
استطاع قادة المجلس العسكري في مالي باسم «سلطة انقاذ الشعب» المنبثقة بعد الاطاحة بالرئيس ابراهيم بوبكر كيتا في 18 أوت الماضي اثبات المعادلة الجديدة في التغيير، وهو ما قالت فرنسا بشأنه، خطر على الديمقراطية يقتضي العودة للشرعية وتمكين كيتا من الحكم. لكن الذي حدث على الارض جاء عكس التوقعات وأثبت الحراك الشعبي في مالي رفضه التام للوصاية الفرنسية وان قرارته سيدة لا تقبل النقاش أو الاملاء.
بدعايتها السخيفة ظنت باريس عبر أذرعها لمجموعة دول غرب افريقيا «الاكواس» تحت غطاء المجتمع الدولي من لي أذرع المجلس العسكري وكبح خطواته التي كانت عكس تصورات باريس.
إلا أنها لم تكن تعلم ان الشعب المالي أراد الاحتفال بذكرى استقلاله الستين، أمس، بفرح حقيقي بأهازيج الفوفوزيلا بعيدا عن دبلوماسية المصالح تحت شعار «الولاء للوطن والتحية للجيش».
شوارع باماكو لم تهدأ فرحا والشعب عانق الحرية من جديد نحو عهد حديث لا مكان فيه لفزاعة الخوف والتخويف تحت حكم ابناء الوطن!