في الدبلوماسية، يُعرّف «تطبيع العلاقات» بين البلدين بأنه العودة إلى الوضع المعتاد بعد حرب أو أزمة.. بإسقاط هذا التعريف على واقعنا المعيش، نجد أننا أحوجُ ما نكون إلى «التطبيع»، أو «النرْملة» كما يحلو للبعض..
ما أحوجنا إلى تطبيع عربي عربي، يعيد إلى المنطقة بعض الهدوء والطمأنينة، وينهي عداواتٍ لا معنى لها ولا مبرّر، عداواتٌ تندلع تارة من أجل المذهب، وأخرى من أجل كرة القدم، ويُهدِر فيها الأخُ دم أخيه.. ما أحوجنا إلى تنسيق اقتصادي، ثقافي، علمي، بحثي، رياضي، حتى لا نقول سياسي.. ما أحوجنا إلى تبادل الزيارات، ورفع التأشيرات، والتطلّع إلى تكامل حقيقي، أذابت اللغة والتاريخ حواجزه، فيما أقامتها الذهنيات الرجعية والسياسات المترهلة.
ما أحوجَ شعوبنا إلى تطبيع مع الأمل.. ما أحوجَها إلى جُرعة ألوان، وأزهارِ توادّ وتآخٍ ذبلت ذات «ربيع».. إن كنتُ قد لاحظتُ شيئا في أسفاري وتنقلاتي، فهو كون «الآخر» ينظر إلى شعوب منطقتنا بنفس العين، ويضعها كلها في بوتقة واحدة.. كُن عربيا، أو أمازيغيا، أو كرديا، أو قبطيا، أو سنيا أو شيعيا، الكلّ بالنسبة لـ»الآخر» سواء.. ما أغربَ ما تؤول إليه مقدّراتنا: يفرّقنا «الأنا»، ولا يفرّق بيننا «الآخر»..
ما أحوجَ الأنظمة إلى تطبيع مع شعوبها، في وقتٍ صرنا نشهد للديمقراطية أزماتٍ، باتت لا تستفيق منها سوى بالتنفس الاصطناعي، فيما تستفيق بناتُ الشوفينية والشعبوية والعنصرية في مختلف الأمصار.
إيثيمولوجيّا، نجد مصطلح «نرْملة Normalisation» مشتقا من الكلمة اللاتينية «نورما» بمعنى مِسْطرة.. وما أحوجنا إلى إعادة تسطير الاقتصاد الدولي، وإعادة التوازن لعالم تقاسم أغنياؤه جغرافيا فقرائه بمجرّد مِسْطرة.
ما أحوجنا إلى تطبيع مع محيطنا وبيئتنا، وكوكبنا الذي يئنّ تحت وطأة الجشع المُصنّع.. ما أحوجنا إلى التطبيع مع القانون الدولي، وحقّ الشعوب في تقرير المصير، في وقتٍ ما يزال بعضها تحت ربقة الاستعمار، المباشر منه والمقنّع..
إذا كان هذا هو المعنى المقصود، فأنا مع «التطبيع»، والنرْملة»، و»الحلْحلة»، وكلّ خطوة تقرّب الإنسانية من إنسانيتها..