مابين الفقيد حمدي بناني ومدينة بونة تشابه الاسمين، فكان بينهما المصدر والمشتق وكأنه استمد لقبه من مدينة عنابة التي أحبها وظل وفيا لشوارعها وصخبها العفوي، وحضورها التاريخي الضارب في أعماق الحضارة ..بين الفقيد وبونة حكاية عشق أبدية.. نسج خيوطها على آلة الكمان التي ظلت رفيقته في غدوه وترحاله، ومن أوتارها عزف ألحانه وغنى أحلى القصائد في المألوف العنابي، تاركا بصمته المتميزة في الساحة الفنية والعربية.
حمدي بناني الذي كبر في ساحة الثورة «كور بونة « وعلى كراسي الفضاء الاسطوري، أطلق عنانه للسماء، غرّد، كما البلابل تشدو بأحلى أصواتها لتجتمع حوله شخوص المدينة، مانحة إياه تأشيرة الولوج الى سموا ت النجومية من أبوابها الواسعة.
بناني لم يكن فنانا فقط، ولا مطربا في المألوف بل كان موسوعة في التاريخ القديم للمدن، والموروث الشعبي، ومفكرة متنقلة، كما أنه كان صاحب كاريزما استثنائية في زمن استثنائي، نظم المالوف العنابي وأجاد فيه، كما أبدع في المالوف القسنطيني ولا تكاد تفرق بينه وبين الفقيد محمد الطاهر الفرقاني، إلا من خلال عزف الآلة الموسيقية أو بحة الحنجرة.
اليوم ستبكي المدينة فقيدها بناني، سيخيم الحزن على شرفات المدينة، من أعلى جبل ايدوغ حيث كان متنفسه الاول نزولا الى هضبة لا لة بونة، حيث مر الفلاسفة والمفكرون والأدباء، بدءا من أغسطين، كارل ماركس، حيدر حيدر، الذيب العياشي، ابن الشاطئ، وصولا الى الراحلين، مثل عمر بوشموخة، شريبط احمد شريبط، كل هؤلاء نهل منهم فصلا من فصول الحكايات، حكاية العشق والمنفى، سيخيم الحزن على بونة،وتلبس واجهاتها ألوان السواد حزنا على رجل أسطورة، لن يتكرر في التاريخ مرّتين، وبرحيله تعزف آلة الكمان خلفه لحن الوداع.