في ثمانينيات القرن الماضي، بدأت دار نشر تونسية نشر سلسلة ضمّنتها نصوصا مترجمة لكبار الكتّاب الفرانكفونيين المغاربيين، مثل إدريس الشرايبي ومحمد عزيزة وكاتب ياسين والطاهر بن جلون وغيرهم.
السلسلة كان عنوانها «عودة النص»، وكانت عودة بالفعل لنصوص كتبها مؤلفوها بروح شعبية محلية، لكن بلسان «مستورد»، وبدت أكثر نضجا من نصوص كُتبت قبل وبعد ذلك بلسان عربي، وكان المجال مفتوحا من أجل «مصالحة لغوية» تاريخية لولا أن المشروع توقف مثلما توقفت الكثير من الأشياء الجميلة في هذه الرقعة من الكرة الأرضية.
إنه «الجرح» الذي رافق جدلية «اللغة الفرنسية منفاي» بتعبير مالك حداد و»الفرنسية غنيمة حرب» بتعبير كُتّاب آخرين، ولم يفصل في ذلك السجال رغم مرور سنين طويلة على الاستقلال، ويتجدّد هذه المرة مع رحيل واحد من أبرز المؤرخين والباحثين الاجتماعيين وهو عبد المجيد مرداسي.
ورغم ما قدّمه مرداسي للمكتبة الجزائرية من كتب وموسوعات في علم الاجتماع والتاريخي الموسيقي المحلي وتاريخ الحركة الوطنية، إلا أن قلّة قليلة من القارئين باللغة العربية من يعرفه، لأنه كان يكتب باللغة الفرنسية وينشر كتبه عند دور نشر شهيرة شمال البحر المتوسط.
ومن سخرية الأقدار أن يُعرّف عبد المجيد مرداسي، وهو من هو بأنه «والد وزيرة الثقافة السابقة»، لسبب بسيط أن الناس عندنا في عمومهم يقرأون الأسماء ولا يقرأون الكتب، بل يعرفون أسماء السياسيين ولا يقيمون بالا لأهل الثقافة والفكر، في تطبيق لقاعدة غير مكتوبة هي «أولوية السياسي على الثقافي».
ونعود مرة أخرى، إلى سؤال «عودة النص» الذي لم نتجاوزه بعد سنين الاستقلال الطويلة، ونسأل: «متى يعود نص عبد المجيد مرداسي؟» من خلال ترجمة أعماله الكاملة، وهو الذي ووري الثرى جسدا، دون أن يقرأ له الكثير من الجزائريين ذنب الكثير منهم أنهم يقرأون بلغة غير اللغة التي كتب بها هذا المثقف الموسيقي الكبير.