الصفقات العمومية، كانت ولزمن طويل عنوانا بالأحرف الكبيرة لنهب المال العام، باسم مقاولات تنفّذ مشاريع مغشوشة وإداريين متواطئين ينفخون في الأغلفة المالية ويتقاسمونها مع من لا يستحقها، وأصحاب جرائد لا يقرأها أحد تستفيد من ملايير الإعلانات بغير وجه حق على حساب أصحاب المهنة الأصليين.
إنّها المشاريع الذي يقول بشأنها القانون إنها تموّل بصفقة كاملة من الخزينة العمومية أو «بيت مال المسلمين» مثلما كان يسميها الروائي الراحل الطاهر وطّار، ذلك «البيت» الذي لا يتكلّم عنه الإعلام كثيرا، والذي تفنّن البعض في الوصول إلى مداخله ومخارجه بطرق مبتكرة بعيدا عن الأعين في غالب الأحيان.
ولم يكن السبيل إلى الثراء السريع يحتاج إلا إلى قراءة معمٌّقة لقانون الصفقات العمومية بمختلف تعديلاته واللعب على الفراغات والثغرات التي يعرفها الراسخون في ذلك القانون الذي بقيت شروطه الإدارية العامة لم تتغيّر منذ سنة 1964.
مدّة زمنية كثيرة تقلّبت البلاد من الاشتراكية إلى الليبرالية، وتداول عليها الكثير من الرؤساء وعشرات الحكومات، وتغيّر العالم من النقيض إلى النقيض مرات عديدة، سقطت خلالها دول وإمبراطوريات دون أن تتغّير روح ذلك القانون الذي يبدو أنه ولسبب نجهله تحدى الزمن.
ومع بقاء «ثوابت» القانون طيلة تلك السنين، فإنّ بعض التفاصيل الأخرى تتغيّر في كل مرة تنكشف فيها ثغراته للجميع، ولم يكن الأمر يحتاج إلا إلى مرسوم رئاسي بعيدا عن أيّه مناقشة لأنّ الأمر بقي طويلا ضمن دائرة «السلطة التنظيمية».
لقد كانت السلطة التشريعية محصورة في 29 مجالا على سبيل الحصر، نصّت عليها المادة 140 من الدستور الحالي، وليست الصفقات من بينها، ويفترض أن تضاف قريبا «الصفقات» إلى مجالات التشريع.
ويفترض من «ممثلي الشعب» الحرص لاحقا على أموال «بيت مال المسلمين» انطلاقا من ثغرات هذا القانون الذي لا يتكلم عنه الكثير جهلا أو حيلة، من أجل معرفة ثغراته ومحاصرة المتلاعبين به.
فهل سيكون «ممثلو الشعب» في المستوى ويقومون بحماية «مال الشعب» الذي «ساب» كثيرا وعلّم الكثير جميع أنواع وفنون السرقات التي بلغت أرقاما خيالية؟