في مناقشة جديد مشروع تعديل الدستور هناك الأهم وهناك المهم. الأهم أولا هو مستوى تلبية مطالب الجزائريين القوية في التغيير؟ وهذا يمكن تلمسه من خلال التساؤل: أي ترتيب مؤسساتي وما الجديد فيه، بمعنى أي علاقات يرسمها بين السلطات الثلاث وما هي ضمانات الفصل بين السلطات، وبشكل أخص ما هي القيود القانونية التي يخضع الدستور السلطة التنفيذية لها، وما هي آليات الرقابة على عملها وما هي ضمانات استقلال القضاء؟
والأهم هو أي فرص يوفرها الدستور لقيام سلطات مضادة وضمانات حقوق المعارضة؟ وما الجديد في آليات ممارسة السلطة ونظام الرقابة والمراقبة، خاصة في صرف الأموال العمومية وفي كسب المال وفي الوفاء بالالتزامات الضريبية، وهل الدستور يحرر المال أكثر من الإنسان وهل يحميه من شطط المال وأصحاب المال؟
والأهم أيضا هو أي ضمانات لسيادة الشعب في إقامة المؤسسات وفي التمثيل فيها، وذلك يترتب عنه التساؤل عن ضمانات نزاهة الانتخابات وحماية أصوات الناخبين ومنع أي تأثير للمال، والمال الفاسد بشكل أخص، على محتوى المؤسسات المنتخبة.
أما المهم فهو أن يقترن النص الدستوري بالاحترام الكامل، من قبل مختلف الفاعلين، لأن الكل يعلم أن «قوى الركود» استطاعت مرات ومرات أن تبطل مفعول الكثير من النصوص، وأن تحد من أثر الكثير من القرارات، وأن تعبث بالكثير من القدرات وأن تعطل كل توثب للتغيير.
والمهم أيضا أن تتظافر الجهود من أجل حث كل مكونات المجتمع على حماية إرادة التغيير وعلى ضمان تجسيد كل طموحات التغيير وأن تساهم في الحد من تأثير «قوى الركود» ومن تصرفات البيروقراطيات وكل المصالح الواعية أو غير الواعية.
مهم أن ندرك أن الجزائر في حاجة اليوم لمؤسسات قوية، لأن التحديات كبيرة على أصعدة كثيرة، ولأن موارد البلاد لم تعد متناسبة مع الطلب الاجتماعي في شتى المجالات، مهم أن نعي أيضا أن الجزائر في حاجة لحماية إرادة التغيير ومؤازرتها وفي حاجة للضغط السلمي الدائم من أجل الإسراع في تجسيد الطموحات.
لكل هذا فإن البداية الجديدة ينبغي أن تكون قواعد جديدة تنظم عمل المؤسسات وتقويها وتحميها، وقواعد جديدة وقوية تحمي المال العام وتسند من يحمي المال العام بالرقابة السياسية والجمعوية، وبالوعي الكامل أنه حتى لا يتوقف مسار التغيير ينبغي أن تقوى الإرادة الوطنية الحاملة للتغيير.