قيل إنّ دستور فرنسا 1958 فُصّل على مقاس شارل دوغول، فلا هو برلماني يجعل سلطات الرئيس محدودة، ولا هو رئاسي على الطريقة الأمريكية، لأنّ الإرث الدستوري والثقافة السياسية لم تكن تسمح بذلك.
إنّها التّوليفة التي تضمن إلى حدّ بعيد الاستقرار السياسي وتحميه من تقلبات التحالفات البرلمانية، التي تتغيّر بتغيّر الظروف والمصالح، والتي وجد فيها المؤسس الدستوري في جزائر الاستقلال الحل، واعتمدها بشكل بقليل أو كثير من التحوير بدءاً من دستور 1963 الذي لم يعمّر طويلا وليس وصولا إلى دستور 1996 بتعديلاته المتكرّرة.
ولئن كان دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة هو «النص الغائب» في مختلف الدساتير الجزائرية، فقد كان تعديل 1988 منه بعد أحداث الخامس أكتوبر من السنة نفسها، تقدّما ملحوظا باتجاه إقرار سلطة برلمانية موازية للسلطة التنفيذية المهيمنة، من خلال تأسيس منصب رئيس الحكومة المنبثق عن الأغلبية النيابية.
ولأنّ رئيسا سابقا كان متأثّرا بشخصية دوغول ولم يقبل أن يكون «ربع رئيس أو ثلاثة أرباع رئيس»، فقد ألغى منصب رئيس الحكومة عمليا منذ بداية حكمه، قبل أن «يدستر» الأمر في تعديل 2008.
ومع تكريس إلغاء منصب رئيس الحكومة، حتى قبل دسترته رسميا، تراجعت سلطة البرلمان وأصبح مجرّد غرفة للتسجيل، ولم يقترح طيلة عقود قانونا واحدا، إلا قانونه الداخلي الذي ينصّ على الامتيازات والتعويضات المغرية للنواب، واكتفى بتمرير مشاريع القوانين على اختلافها وتناقض بعضها دون مناقشة إلا بشكل استعراضي.
وانتظر الكثير عودة الروح إلى المؤسّسة التشريعية من خلال إعادة منصب رئيس الحكومة، وبالفعل جاء مشروع التعديل بذلك لكن بصيغة مشروطة غير مسبوقة، فلا هو ألغى منصب الوزير الأول بشكل صريح، ولا أعاد منصب رئيس الحكومة بصفة «مطلقة».
إنّه حال دستوري تحضر فيه «الاحتمالات» بلغة الرياضيات، وباللغة نفسها الأمر متوقف على «الأمل الرياضي» المتوقف على قوة المعارضة السياسية، فإن كانت كذلك استعاد البرلمان سلطته كاملة في انبثاق الحكومة من أغلبيته، وإلا بقيت السلطة السياسية مهيمنة وبقي البرلمان بغرفته مجرّد «غرفة تسجيل»، مثلما هو الحال منذ عقود من الزمن.