التّغيير في حاجة لمستلزمات كثيرة، أولها إرادة سياسية، ولكن الإرادة في حاجة لترتيبات كثيرة أيضا، بدءاً من دستور جديد. والدستور الجديد في حاجة لشرعية شعبية أكيدة،
الإرادة السياسية عبّر عنها الرئيس تبون مرات ومرات من حملته الانتخابية إلى مرحلة تجسيد الوعود والالتزامات، والترتيبات القانونية اتّخذت ووصلت حد اعتماد المشروع من قبل مجلس الوزراء، ومؤكد أنه سيتجه بسرعة باتجاه البرلمان، وستأتي باقي الترتيبات تباعا إلى غاية يوم الاستفتاء في فاتح نوفمبر المجيد.
لحد الآن لا نعلم بدقة محتوى الدستور الجديد، حتى وإن كنّا نتوقّع جوانب عديدة منه. ولكن السؤال المطروح هو: أيّ دستور ممكن في حال الدولة الجزائرية الرّاهن؟ وما هي ترتيبات الدستور المعبر عن حال البلاد اليوم، مجتمعا وسلطة، وما هو الدستور الذي يلبي مطالب الجزائريين المعلومة؟
في كل الأحوال ما عبّرت عنه التزامات الرئيس تبون يفتح باب الأمل واسعا أمام قيام نظام سياسي جديد بترتيب مؤسساتي حديث، وبفصل حقيقي بين السلطات ووضع السلطة التنفيذية تحت رقابة فعلية، رقابة سياسية من قبل البرلمان ومن قبل سلطة مضادّة، وشعبية من قبل المجتمع المدني، وقيام مؤسّسات معبّرة عن المجتمع الجزائري وعن مختلف المصالح فيه وعن مختلف الرؤى السياسية وليس عن «المال» فاسدا كان أو مشروعا.
إنّ تجسيد مطالب الجزائريين مثلما وعد الرئيس تبون، يعني استكمال المشروع الوطني لمساره خاصة في «إقامة الدولة الجزائرية الديمقراطية الاجتماعية ذات السيادة ضمن إطار المبادئ الإسلامية»، ويعني الوفاء للشهداء الأبرار وللمجاهدين الأخيار. فالدولة ذات السيادة ليست ممكنة إلا حين تقوم على مؤسسات قوية، وعلى شرعية أقوى وعلى سيادة القانون، وإنفاذ القانون بعدل على الجميع وغلق ما أمكن من أبواب الفساد والسطو على قوت الجزائريين وعلى أصواتهم بالمال الفاسد أو بتلاعبات المصالح وقوى الجمود والركود.
لهذا فالدّستور الجديد لا يمكن أن يخرج عن معاني دولة المؤسسات ودولة سيادة القانون، وعن غايات تحرير الإنسان وإخضاع كل ممارس للسلطة للرقابة القانونية والسياسية، والإشراك الواسع للجزائريين في بناء الجزائر الجديدة التي «هرمنا» في الدعوة لها، وفي انتظار تجسيد الوعود منذ 19 جوان 1965 وحتى اليوم!!