شكلت الكلمة التي ألقاها رئيس الجمهورية، عبد المجيد تبون، خلال افتتاح لقاء الحكومة – الولاة، خارطة طريق تؤسس لحكامة محلية من شأنها أن تحدث قطيعة ابستيمولوجية مع ممارسات لطالما أضرت بمصالح المواطن من جهة وبسمعة الدولة والتزاماتها من جهة أخرى؟، ممارسات عرقلت الخطط والمشاريع التنموية التي لم تجد طريقها إلى الإنجاز بسبب تصرّفات، بعضها راجع إلى الإهمال وسوء تقدير المسؤول المحلي، وبعضها الآخر تقف وراءه إرادات خبيثة تريد توسيع الهوة بين المواطن ودولته وتزيد من أزمة الثقة التي تسعى الدولة إلى ترميمها بشتى الطرق والوسائل، لاسيما من خلال تحسيس المواطن بعدم وجود بوادر تغيير حقيقية ولكن مجرّد كلام للاستهلاك؟
إن قرار تبون بإقالة مسؤولين محليين على خلفية التقاعس في أداء واجباتهم على مستوى اختصاصهم، يعكس إرادة سياسية حقيقية في القضاء على سياسة اللاعقاب التي وفرت أرضية خصبة لاستفحال مظاهر التهاون والتقصير في أداء المهام، على اعتبار أنها تكليف وليست تشريفا أو امتيازات فقط دون مقابل؟، سمحت للبعض بالتعاطي مع الملكية العمومية (الشيء العمومي) على أنها مزرعة خاصة.
كما جعلت بعض المسؤولين المحليين يدركون مفهوم الخدمة العمومية بشكل خاطئ ومشوّه، جعلهم يعتقدون أن أداءهم لهذه الخدمة هو تكرّم ومزية وليس واجبا ينجزه باعتباره ممثلا للدولة، مهمته الإصغاء الى المواطنين وايجاد الحلول لكل مشاكلهم على المستوى القاعدي، مهما عظمت. علاوة على توفير متطلباتهم مهما كانت بسيطة؟
إن الثقة بين المواطن والدولة لا يمكن ترميمها، إلا من خلال بناء حكامة محلية يكون محورها الأساسي المواطن، ولا يكون ذلك إلا من خلال إسناد المهام والمسؤوليات على المستوى القاعدي لكفاءات مشهود لها بالاستقامة ونظافة اليد، مع تزويدها بكل الصلاحيات والإمكانات التي تتيح توفير خدمة عمومية ذات جودة، تنهي المتاعب اليومية للمواطن وتخفف من وطأتها على الأقل.
وبالمقابل، تعزيز آليات الرقابة في تسيير الشأن المحلي ومعاقبة كل أشكال التقاعس والإهمال بحزم وصرامة تحت طائلة القانون، حينها فقط سنصل الى تسيير جيّد للشأن المحلي يجعل مجهودات الدولة وقراراتها القادمة من أعلى الهرم يلمسها ويراها المواطن في يومياته، حينها فقط ستتبدد كل مخاوفه من أنها مجرد وعود كاذبة وشعارات يصله صداها ولا تصله ثمارها بسبب موظف على المستوى القاعدي، طالما نظر إليه على أنه مجرد رقم هامشي، في حين أنه قادر على ضرب صورة الدولة وسمعتها وهز أواصر الثقة بينها وبين المواطن من خلال نسف كل المجهودات بتعطيل مشروع أو التقاعس في انجازه او امساك منح ومساعدات رصدتها الدولة وحال دون وصولها الى مستحقيها والأمثلة كثيرة بل تتحدث عن نفسها.
في الأخير ما شدّ الانتباه في كلمة الرئيس تبون، في افتتاح لقاء الحكومة - الولاة، هو إشارته الى أن هذا اللقاء الدوري لا يمكن ان يبقى مجرد مناسبة للشكوى والتباكي، ولكن فرصة للمحاسبة والمكاشفة وتقديم حصيلة لما تم انجازه على المستوى المحلي، او بالمختصر المفيد على المسؤول المحلي ان يستوعب ويفهم أن وظيفته هي ايجاد الحلول وليس مجرد علبة بريد او وسيط يكتفي برفع المشاكل والانشغالات إلى مستوى أعلى؟!.