تعيش الأطقم الطبية وشبه الطبية حالة استنفار قصوى لم تعهدها من قبل، ولم يكن ليصدقها أي عقل مهما كانت درجة صاحبه. الجائحة استفحلت في المجتمع وظلّت تمارس هجومها الشّرس على الأرواح، لا تفرّق بين الفئات العمرية ولا تعترف بالجنس اللطيف ولا الجنس الخشن، تبثّ سمومها في جسم المريض المتعب حتى تقضي عليه.
في كل يوم تزف مستشفياتنا طبيبا، ممرضا أو منتسبا إلى أطقمها الطبية، إلى مثواه الأخير بعد رحلة معاناة ومقاومة مع فيروس «كوفيد 19»، وفقدان طبيب واحد يعني تضاعف إصابة أكثر من مئة شخص في الأسبوع، ويعني أيضا فقدان عشرة أشخاص في جناح واحد، هذا إذا جزمنا بمعدل طبيب لكل عشرة مرضى في اليوم كحد أدنى، وحسابيا فإنّه في عشرة أيام يقابله مئة مريض لم يجدوا من يقوم بالكشف عنهم ورعايتهم، وهكذا دواليك في أغلب مستشفياتنا التي تعجّ بالمصابين.
في عملية حسابية بسيطة مكّنتنا من التعرف على تزايد عدد المرضى، ومنه حالة تشبّع أسرّة بالمستشفيات وعجز الرعاية الطبية في التكفل بالمصابين، لأن العدد في منحنى تصاعدي رهيب، وسهولة انتقال العدوى في أجنحة الأطقم الطبية، والمناعة المكتسبة قد تنهار أمام الضغط المتزايد والمرتفع، ولا يمكنها المقاومة لمجرد أسبوع دون راحة، فما بالنا بأربعة أشهر كاملة، عمل يومي متواصل، سببها اللامبالاة واستهتار المواطنين بما يحاك أمامهم من خطر كبير، إن فقدان طبيب واحد أو ممرض خسارة كبرى لا نشعر بها ونحن في حالة صحية جيدة، لكن المصالح الطبية تسجّل عجزا رهيبا في إدارة هياكلها.
التحاق المتقاعدين من المنتسبين للسلك الطبي بأجنحة المرضى أملاه الواجب والضمير المهني، حتى وإن كان الخيار صعبا عاقبته الموت أو العيش الأبدي بالإصابة، سيضاعف من همومهم وهم في هذا العمر المتقدّم، ناهيك عن إصابة غالبيتهم بأمراض مزمنة.
إنّ تسجيل أكثر من سبعة عشر ألف إصابة بين صفوف المنتسبين للأسرة الطبية منذ انتشار الجائحة، يستثير الشّعور بالخطر، ناهيك عن عدد الوفيات المسجّل في منحنى تصاعدي هو الآخر، وارتفاع عدد الإصابات بشكل يومي إلى سقف خمسمائة إصابة في اليوم طيلة الأيام الأربع الأخيرة، لهو الخطر بعينه وحريّ بالجهات الرسمية إعلان حالة الاستنفار القصوى، والضرب بيد من حديد، لكل من تسبّب في نقل الإصابة والعدوى الى اشخاص ظلّوا إلى حد بعيد في غنى عنها.
الجيش الأبيض رغم النّداءات المتكرّرة التي يطلقها الأطباء في وسائل التواصل الاجتماعي كل يوم، يقابلها تهور واستهتار من مواطنين، كأن على قلوب أصحابها غلف وهم صمٌّ بكم عمي لا يدركون.
ماذا لو اتّفق أبناء الجزائر على عدم مغادرة بيوتهم لأسبوع واحد، يهجرون الشّوارع والأزقّة والأماكن العمومية، ويتوقّف نبض الحياة مرة واحدة في لحظة واحدة، على جميع المستويات..يتركون المرضى بين يدي الجيش الأبيض يشرفون على علاجهم، سيتخلّصون من الوباء الى الأبد، كما يقال «عام الجيفة تسمن فيه الكلاب»، ساعتها سيجد الفيروس نفسه غريبا وسيعود غريبا، كما جاء، لننعم بعدها بحياة جديدة خالية من الأحزان والألم..ودون كورونا.