احتجاج بعض عمال مؤسسة نفطال على المنحة «الزهيدة»، المقدرة بخمسة ملايين سنتيم المخصصة لشراء أضحية العيد، وصفها المحتجون ممن خرجوا للاعتصام وإبلاغ الرأي العام بمنحة العار، لأنها حسب مطالبهم لم تحفظ كرامتهم، كمنتسبين إلى مؤسسة كبيرة «توفر لهم الشغل وليست ملكية خاصة».
يقول هؤلاء إنهم عملوا في ظروف صعبة خلال أزمة كوفيد 19، وماذا نقول عن جنود الجيش الأبيض الذين تصعد أرواحهم إلى السماء يوما بعد يوم، ألا يستحق هؤلاء كل كنوز الدنيا أمام خطر الموت الذي يتربصهم، أليس هؤلاء وأفراد المصالح الأمنية والحماية أولى بكل منح الدنيا من غيرهم، لأنهم يدفعون أرواحهم قربانا لسلامتنا، كما نتقرب بالأضحية إلى الله، إنهم ظلوا يعملون في صمت بعيدا عن أسرهم وعائلاتهم.
في الحقيقة استغربت كثيرا من هذا التصرف لسببين اثنين، ربما أكون على صواب أو لامست القليل من الحقيقة، فمنحة خمسة ملايين المخصصة لكبش العيد، لا تشغلهم ولا تغنيهم عن اللغو، مادامت الأضاحي تتراوح مابين 35 ألف إلى حدود الستين ألف دج، ما يتيح للمحتجين ممارسة الشعيرة دون عقدة ولا عجز في عملية الشراء والنحر، لأن الأصل في الأضحية هي النية الصادقة، وإذا ربطها هؤلاء بالمبلغ غير الكاف، فإنها تخرج من الشعيرة إلى الذبح العادي شحيحة من الأجر والثواب.
أما السبب الثاني، فهناك الآلاف من العائلات التي لا تستطيع هذه السنة شراء الأضاحي لعدم تقاضيها أجورها، وبقيت مدة أربعة أشهر دون عمل، أرغمها الوباء على ترك أرزاقها التي تقتات منها وتوفر منها لقمة عيشها، فأي رائحة لعيد،لا يستطيع فيه المواطن شراء الحد الأدنى من المواد الغذائية، فما بالك بأضحية العيد.
في كل بيت من بيوت العائلات الجزائرية، خيمت الأحزان وأقامت بين حواشيها المآتم، فهذا فقد عزيزا رحل على حين غرة بسبب وباء كورونا، وهذا فقد إبنا اختطفه الموت من بين يديه وهناك عائلات فقدت كل أفرادها، وظلت جدران بيوتها خاوية على عروشها، تنعي حظها، فهل يستوي الذين يفرحون بمنحة خمسة ملايين، والذين لا يجدون قوت يوم واحد يثلجون به صدورهم العطشى ؟
كان على هؤلاء المحتجين الذين خرجوا إلى الشارع، ونشروا غسيلهم التريث قليلا، لأن الوطن ليس في حاجة إلى تسخين العضلات، وليس في حاجة إلى تعكير الأجواء التي سممتها كورونا، وليحمدوا الله أن مؤسستهم منحتهم هذا القدر الكاف من المال، فهناك مئات المؤسسات الخاصة عجزت عن توفير أجور عمالها وحولتهم إلى عطل دون أجرة، فلا داعي لاستغباء عقول الجزائريين بهذه السلوكيات والتلويح بهذا التصرف هو انحطاط الوعي مهما كانت المؤسسة التي تنتمي إليها، والحديث قياس كما يقال.