رحيل الفنان عمار علالوش، هو رحيل مبدع أتقن فن اللعبة الفنية بامتياز، فكان للفنون التشكيلية سفيرا مفوضا فوق كل الأسماء التي عرفتها مدينة الصخر العتيق في إبداعاته، لم يكن عمار علالوش فنانا تشكيليا فقط، تنطق اللوحات الفنية باسمه وتخشى الألوان جرأته وأفكاره، بل كان سفيرا للنوايا الحسنة في اليونيسكو عندما اختارته لرسم لوحات السلام وقد سلاما في تعاملاته وأخلاقه، بل رحالة إلى الأقطار العربية والمغاربية على وجه الخصوص، لم يقتصر فنه على مدرسة فنية واحدة، بل خاض كل التجارب الفنية وأبدع فيها أيما إبداع.
قال ذات يوم إن «إشكالية الفنون التشكيلية في المغرب العربي كونها بقيت حبيسة جدران موقع جغرافي كبير، فهي تحتاج إلى الكشف عنها وإبراز ثرائها المتنوع انطلاقا من ليبيا وحتى موريتانيا غربا»، وقد جعل من فكرته ورقة طريق بدأها بتونس التي أصبحت بيته الثاني، مثلها مثل قسنطينة التي نشأ وترعرع بها، فالجميع يعرفه هناك كما تعرفه بيوت سرتا، وكان السباق في دعوته إلى خلق فضاء لعرض الفنون المختلفة ووضع قانون يؤطر الفنانين والمبدعين الذي اعتمدته وزارة الثقافة فيما بعد بسنوات.
إلتقيته أول مرة في ملتقى «أدب الشهادة والشهيد» مع بداية التسعينيات وكانت لوحاته تعرض بقاعة ابن خلدون بالعاصمة رفقة كوكبة من الفنانين الآخرين من أمثال عمار كعيبش، الطاهر ومان، وكانت ملامحه تشبه إلى حد كبير الروائي الصديق جيلالي خلاصي، لولا وقار الشيب الذي غزا رأسه، وعندما تحدثت إليه أبهرتني لكنته الجيجلية، فاعتقدت أن الشخص الذي بقربي هو المفتش الطاهر يمثل أمامي إحدى روائعه في المونولوغ، وقد خصني القدر بلقائه لثاني مرة بقصر الثقافة مفدي زكريا وكانت إقامتنا بفندق البير الأول بالعاصمة، فعرفت أن الرجل صاحب نكتة وغزارة أفكار مختلفة، متشبع بنظريات المدارس الفنية وتاريخ المدن القديم، ناهيك عن فنون العمران، التي يحدثك عنها كأنك أمام الرحالة ابن خلدون.
وعندما تقترب من الرجال تكتشف معادنهم الحقيقية دون حاجة إلى طول انتظار، فقد كان عمار ناقدا فنيا، ينطق اللوحة وتكتشف أسرار العتمة فيها من الوضوح، وتسترقك ملامحها قبل أن تستعيد بهاء صورتها أمام الجمهور، كان إنسانا كريما حالما بالفن الذي وهب له عمره، فكان شاهدا عليه وتوزعت لوحاته بين الشعوب العربية لتذكره بعد أن حلقت الروح إلى السماوات العلى.. ستنطفئ ألوان المدينة بعدك.. لكن ألوان لوحاتك ستحفظ ماء وجهها ولو بعد حين.