لو قدّر الله، وأصيب فرد من عائلتك، والدك، والدتك، أخوك، أختك، زوجتك، أبناؤك بفيروس كوفيد 19، ونقلته على جناح السرعة إلى المستشفى لإنقاذ حياته، فالأمر بالنسبة إليك لا يتعلق بشخص غريب أو بعيد يحتاج إلى تفكير أو انتظار، الأكيد أنّك لن تتأخّر دقيقة في البحث عن منقذ لحالته المستعصية والتخفيف من معاناته، ولن تجد أمامك إلاّ وجهة وحيدة وهي مستشفياتنا المتعبة أيضا.
عند وصولك قسم الاستعجالات تجد طابورا من المرضى ينتظرون دورهم أيضا، هم بالعشرات، ربما حالاتهم أكثر تعقيدا من حالتك أو أقل، وفي الغالب الأعراض كلّها تتشابه، وإن كانت الآلام جميعها واحدة في قسوتها تشبه اللّعنات، تلعن الواحدة منها الأخرى، ستثور غيظا ويركبك القلق من رأسك إلى أخمص قدميك، تصرخ في الممرضين والأطباء ولا ينجو من هجماتك حتى الأعوان، وكل من تجده أمامك من الأسلاك البيضاء هو خصمك العنيد.
حين تقف أمامهم تتظاهر بالصّراخ لتبرز مساوئ رجولتك وربما سذاجتك، وفي داخلك شعور بإحباط متعجرف يقتص منك تهوّرك، فأنت لا تدري أنّك تقف بين بشر مثلك تماما ليسوا كائنات غريبة سقطت من كوكب آخر، هم أيضا يشعرون بما تشعر به أنت، بل أكثر بكثير من ذلك، لسبب بسيط، لأنّهم في الصّفوف الأولى لمجابهة الفيروس القاتل، وأمام مصير محسوم مسبقا، رائحة الموت تترصّد أروقة المستشفيات صباحا ومساء، لا يسلم منها أي منتسب للمهنة وقائمة الشّهداء مفتوحة على مصراعيها.
بعد طول انتظار وعقارب السّاعة تسابق الزّمن، تجر خلفك خيباتك المترامية، يحين دورك لتضع مريضك على فراش أرضي وقربه قارورة أوكسجين يتقاسمها ثلاثة مرضى من فئات عمرية مختلفة، الألم يعتصرك حينا ويفتك بمريضك في صمت، وليس بيدك حيلة تنقذه بها، إذ تقف عاجزا على تقديم أية حلول، في هذه اللّحظات ينتابك شعور بالخيبة وتأنيب الضّمير، لأنّك كنت سببا في نقل العدوى إلى أسرتك دون ظهور أعراضه عليك.
مريضك تمّ تحويله على جناح السّرعة إلى قاعة الإنعاش، قد لا يعثر على مكان داخلها، لأنّ الأسرّة كلها محجوزة، سيفترش الأرض وتضم جسده الموبوء، ولن يسمح لك بمرافقته هناك وعلى عتبة هذا الجناح يعتريك شعور بالذنب والتقصير في حق الأقربين إليك، لكن بعد فوات الأوان، وانتقال الرّوح إلى بارئها، وهناك ستدرك حتما، أنّه من السّهل على الأطقم الطبية مجابهة الوباء، وليس بإمكانها مواجهة الغباء.