من كان يتصور أشخاصا غادروا عالمنا قبل حوالي قرنين يلهبون مواقع التواصل ويشغلون الصفحات الأولى للجرائد الوطنية والعالمية وتخصّص لهم فقرات وبرامج في التلفزيونات وتغطيات لعودة رفاتهم إلى الأرض التي ماتوا من أجلها، أيّ كرم أكرم الله به هؤلاء الأبطال من شهداء هذه الأرض، فكانت دماؤهم بمثابة الوقود الذي ألهب ثورات ومقاومات الشعب الجزائري ضد الغزاة إلى أن جاء اليوم المشهود، الفاتح نوفمبر 1954 الذي حشد كل القوى الوطنية التي صمّمت على اقتلاع شأفة الاحتلال ووضع حد للاستبداد والطغيان الاستعماري لتكون سبع سنوات فقط كافية لإنهاء حقبة استعمارية مظلمة استمرت لـ132 وانتهت ذات ٥ جويلية من العام ١٩٦٢.
ألحقت تلك الهامات السامقة، المكدّسة في علب بأحد دهاليز متحف (الإنسان) بباريس، الذل والعار بالمستعمر مرتين وذلك في الوقت الذي توّهم أنه هو من أهانهم بوضعهم في علب؟ الأولى عندما واجهت جحافله ببأس وشجاعة فكبدّته الخسائر والهزائم والثانية عندما كشفت عورته وعرّت جرائمه ووحشيته أمام العالم وكشفت زيف شعاراته وهو الذي احتفظ بدليل إدانته إلى اليوم وسيظل هذا العار يطارد الفرنسيين جيلا بعد جيل.
آلاف المواطنين الذين اصطفوا، أمس، بقصر الثقافة في طوابير طويلة من أجل الترحم على جثامين شهداء المقاومة الجزائرية المعروضة ببهو القصر، وهي مسجاة بعلم الوطن الذي استشهدوا من أجله بعد تحريرها من الأقفاص، يؤكد ما قاله الله تعالى في كتابه الكريم ]ولا تحسبنّ الذين قتلوا في سبيل الله أمواتا[ وقد رأينا هذا الوعد الإلهي بأم أعيننا، أمس، وكأنّي بهؤلاء قد بعثوا من جديد وهاهم يعودون بعد 170 عام ليشغلوا الرأي العالمي، بينما توّهم جلادوهم أنهم طمسوا عليهم إلى الأبد وجعلوا منهم مجرّد أرقام تسلسلية؟ الشهيد لم يمت والجريمة لن تطمس، جفّت الصحف ورفعت الأقلام.