لست أدري هل أسمح لنفسي باستعمال عنوان النّص الشّهير للرّوائي الطاهر وطار «الشهداء يعودون هذا الأسبوع»، دون أن يغضب منّي سهوا احمد بن قطاف مقتبس الرّواية إلى نص مسرحي، لأنّني تطاولت على ذاكرة الخشبة؟ وهل يغفر لي عزالدين مجوبي والسيدة صونيا، تطفّلي على ذلك، فقد رحل الأربعة إلى غربتهم الأبدية وبقيت الخشبة تذكرهم وتحتفظ لهم بالمرافعات التاريخية، من أجل عودة الشّهداء؟
وهل تراهم الآن يشعرون بالفخر، لأنّ رفات ورموز المقاومة الشّعبية عادت إلى تراب الوطن وعطر الأجداد، بعد قرن وسبعين سنة من المنفى القسري؟ الأكيد أنّهم سيفرحون بهذه العودة والانتصار، حتى وإن كانت الأرواح صعدت إلى بارئها، منذ تلك اللّحظات التي نكّل الاستعمار بها أجسادهم وفصل فيها رؤوسهم عن أجسامهم قربانا لقادته دعاة الحضارة وحماة الانسانية والتاريخ أمثال «سانت ارنو»، «بورديلة»، «بيجو»، «لافيجري»، «جون بيار»، وغيرهم من سفّاحي التاريخ والإنسانية.
عادت رفات الشريف بوبغلة، الشيخ احمد بوزيان، بوقديدة، قويدر التيطراوي، مرابط، محمد بن الحاج وغيرهم من الأسماء التي نعرفها والشّخصيات التي لا نعلمها إلى أرض الوطن بعد طول انتظار ومعاناة أبدية، رسم معالمها النّكران، الجحود والحرمان..عادوا ليكرّمون بالدّفن في وطنهم، كما يكرم غيرهم من الأموات فما بالك بالشّهداء أمثالهم؟
الجريمة ظلّت قائمة الأركان ووحشية الاستعمار بالأمس هي نفسها التي تستّرت وشاركت في مساومات سياسوية مقابل تمكيننا من استرجاعهم اليوم، بل واصلت غطرستها وعدوانيتها بعد الاستقلال، ولم يثنها عن ذلك الأعراف والمواثيق الدولية، التي تنص على احترام الانسان وكرامة الأسرى، فما بالك بأبطال قاوموا ودافعوا عن أرضهم وعرضهم، ولم يستسلموا، أفلا يحظى هؤلاء الأبطال بجنازة تليق بمواقفهم وشجاعتهم الأسطورية.
بعض الأصوات النشاز، ولو أنّها لم تكترث لهذا الانتصار وظلّت صامتة، لهان الأمر، أم أنّها تنفعل وتهلّل رافضة استرجاع الجماجم من أساسه، فهذا هو الهوان والعيب والدناءة، أعداء الجزائر والتاريخ في الداخل لم يعجبهم صنيع العمل، فراحوا يتباكون أمّهم «فافا»، ويشكونها طالبين منها الصفح والصفيح لمدارات سوأتهم بعد عودة الأبطال إلى أرض آبائهم التي دفعوا من أجلها أرواحهم. وهنا تستحضرني مقولة الرّئيس الأسبق هواري بومدين: «بيننا وبين فرنسا بحر من الدم وطوفان من الجماجم»، ولا يمكن للأصوات المغرّدة خارج السّرب التأثير في عظمة الأبطال، فسخرية التاريخ تظل وصمة عار، لصيقة فرنسا ولو عادت كل الجماجم إلينا راجلة.
الجماجم..وسخرية التّاريخ
نور الدين لعراجي
04
جويلية
2020
شوهد:309 مرة