«كرة القدم ليس مجرّد لعبة»، ذلك ما أكّده فريق جبهة التحرير الوطني بدوره الريادي والفعّال في إسماع دوي الثورة التحريرية عبر العالم، في رسالة نبيلة من أجل استعادة الحرية واستقلال الجزائر.
تبقى ملحمة فريق جبهة التحرير شاهدة على تضحيات نجوم تألّقوا في الملاعب بفنياتهم وذكائهم التكتيكي، وانتقلوا الى النضال في قضية عادلة ووفّقوا في كلتا الحالتين و بامتياز ليكونوا مثالا لأجيال من اللاعبين والرياضيين.
تاريخ 13 أفريل 1958 شاهد على واقعة اهتزّ لها عالم كرة القدم، لا سيما في فرنسا حين قرر لاعبون جزائريون محترفون في عديد الأندية المحترفة الفرنسية المغادرة في سرية، والالتحاق بتونس من أجل تكوين فريق جبهة التحرير الوطني، وبالتالي الانطلاق في رحلة دعم الثورة بشكل فعّال، بالنظر لمكانة كرة القدم في العالم وتأثيرها على الجماهير.
الصدى الإعلامي كان كبيرا وتناولت أكبر الصحف الأوروبية الحدث لعدة أيام، ليكون «الهدف الأول قد وقع وبطريقة مميّزة»، بالنظر للدور الكبير الذي كان يلعبه عناصر هذا الفريق الرمز ضمن أنديتهم، حتى أن مخلوفي وزيتوني كانا مرشحين للمشاركة في مونديال 1958 مع منتخب فرنسا.
لكن المشاركة في انتصار قضية عادلة لنيل استقلال الجزائر كانت أهم من كل شيء آخر حسب شهادات اللاعبين الذين كانت لهم محطات في دول عديدة أبهروا بها عشاق الكرة، وجلبوا تعاطف شعوب العالم مع القضية الجزائرية، ليكونوا سفراء الثورة التحريرية مقدمين صورا عن نضال الشعب الجزائري وحقه في تقرير المصير.
أسماء خالدة في قاموس كرة القدم الجزائرية على غرار مخلوفي، كرمالي، زيتوني، معوش، سوكان، بوبكر، زوبة، رواي، بخلوفي، عمارة، عريبي...وبعد أن ساهموا في نيل الاستقلال، قدموا «مهاراتهم» التدريبية وحسهم الاحترافي لكرة القدم الجزائرية التي تفوقت في عدة محطات بفضل عمل هؤلاء الأبطال.
أولى الألقاب الدولية كانت على يد رشيد مخلوفي في عام 1975 حين نال المنتخب الوطني الميدالية الذهبية في ألعاب البحر الأبيض المتوسط، لما تفوق على المنتخب الفرنسي في مباراة تاريخية، سنوات بعد ذلك في 1978 نفس المدرب يقود المنتخب الوطني للفوز بالذهب في الألعاب الافريقية بعد نهائي مميّز أمام نيجيريا.
لقد أعطى لاعبو فريق جبهة التحرير الوطني «أرضية» لرؤية تفاؤلية بالنسبة لكرة القدم الجزائرية، وتحقق إنجاز التأهل الى مونديال 1982 بفضل لاعبين يردّدون في كل مرة أن التكوين الذي تابعوه منذ الفئات الصغرى على يد سوكان، مخلوفي واليكان سمح لهم بتطوير مهاراتهم التي أبهروا بها العالم ذات صيف في إسبانيا، وقد ساهم معوش في تأهل الفريق الوطني الى كأس العالم في طاقم فني رفقة روغوف وسعدان، الى جانب مشاركة مخلوفي كمدير فني خلال الدورة.
ونال المنتخب الوطني أول لقبه القاري عام 1990 بفضل حنكة وعمل عبد الحميد كرمالي، الذي قدّم تشكيلة أبدعت وأهدت الجزائر الكأس الإفريقية الأولى بملعب 5 جويلية.
كما لأعضاء فريق جبهة التحرير الوطني سجلا مميّزا على مستوى الأندية والألقاب القارية، كان أولها بقيادة عبد الحميد زوبة الذي قاد مولودية الجزائر الى كسب كأس افريقيا للأندية البطلة عام 1976، ثم تلاه مختار عريبي على رأس وفاق سطيف عام 1988.
وتبقى محطات هؤلاء الأبطال راسخة في أذهان كل الجزائريين ضمن مسارهم النضالي لنيل الاستقلال، وتقديمهم لمعارفهم الكروية كمدربين ومربين لأجيال عديدة من اللاعبين.