وأنا أتابع أطوار ما يجري في ليبيا وسوريا واليمن من فوضى أمنية وانقسامات داخلية وتدخّلات خارجية، استوقفني سؤال ملحّ وحاسم «هل هذا هو التغيير الذي ينشده الشعب الليبي والسّوري و اليمني قبل تسع سنوات; عندما خرج إلى الشوارع مناديا برحيل قادته وإقرار أنظمة حكم ديمقراطية غير معتلّة بشوائب الفساد والظلم والتخلّف؟
في الواقع قد يكون من السّابق لأوانه تقييم نتائج ما يسمّى بـ«الربيع العربي» ففصوله لم تطف بعد، لكن المشاهد الدراماتيكية التي تأتي من سوريا الجريحة واليمن “التعيس” وليبيا التّائهة قد تجيب عن بعض تساؤلاتنا، إذ بعد ما يقارب العقد من الزّمن عن تلك الصّرخة المدوّية التي أطلقها مواطن تونسي وهو يصرخ «بن علي هرب» انهارت أنظمة عربية ورحل رؤساء وتولّت قيادات جديدة الحكم في دول عرفت شعوبها كيف تنقذ نفسها من السّقوط في فخّ الفراغ المؤسّساتي وفوضى الاحتراب الداخلي كمصر وتونس، لكن للأسف الشّديد تحوّلت رغبة التّغيير المشروعة إلى حبل يخنق استقرار أمن ووحدة باقي الدول، وتحوّل الربيع إلى فصل دموي أدخل سوريا في دوّامة الحرب الأهلية، وحوّل اليمن إلى ساحة لمعارك دونكيشوتية بين أطراف إقليمية تمقت بعضها البعض، وجرّ ليبيا إلى النّار الذي تحرقها.
ولأنّ السّؤال يجرّ الآخر، يحقّ لنا أن نتساءل مرّة أخرى «هل ما اصطلح على تسميتها بـ «ثورات الرّبيع العربي»، أفادت الدول التي عرفتها أم أضرّت بها ؟
بميزان الرّبح والخسارة، ومن خلال الصور المأساوية لآلاف العرب الذين تلتهمهم نيران الحروب الداخلية العبثية، أو ملايين المشرّدين في المنافي و الملاجئ، أو الصّامدين في أوطانهم يغالبون ظروفهم المعيشية التي ازدادت تدهورا، يمكننا أن نجيب ونقول بأن الوضع بات كارثيا، حيث أصبح سفك الدّماء مستباحا بعد أن استلّت سكاكين الطّائفية والعرقية و السياسية لتمزّق أوصال الشعب الواحد وتذبح الجغرافيا الموحّدة، وضاع الأمن و أصبح الاستقرار في قبضة مجموعات و مليشيات تعيث في الأرض فسادا و دمارا بأوامر من جهات خارجية ظلّت و لازالت تعتبر الأرض العربية مجرّد خزائن ثروات تغرف منها وقتما شاءت.
في الواقع، المشاهد التي تتناقلها الشاشات والمواقع الإعلامية من ليبيا وسوريا واليمن، والتقارير الواردة عن المصاعب الاقتصادية التي تعيشها مصر وتونس وباقي البلدان العربية كفيلة وحدها بأن تجيب عن كلّ تساؤلاتنا التي نختمها بعلامة استفهام كبرى «ألم يكن طريق التغيير الهادئ والإصلاح كافيا لتحقيق تطلّعات الشعوب العربية بدل السّقوط في شراك الهدم الكامل للأنظمة و لمؤسسات الدولة»؟