تثير مؤشرات الوضعية الوبائية انشغال المواطنين والسلطات العمومية عل حد سواء، في وقت بلغت فيه المعركة ضد وباء كورونا آخر فصولها أو كادت لولا أن سلوكات غير مسؤولة لمواطنين سقطوا في التساهل أعادت شبح العدوى.
لكسر المنحنى التصاعدي لتفشي الفيروس بذلت الدولة جهودا جبارة بكلفة مالية باهظة واضعة الإنسان في صدارة الأولويات ومن ثمة تهون الإمكانيات والوسائل التي استقدمت من الصين في وقت قياسي بمشاركة مختلف المؤسسات. غير أن ضعف وازع الحس المدني والاستخفاف بالخطر أخلط حسابات الخطة الوقائية مما يضع الأمر في صلب النقاش الجاري على مختلف المستويات.
لماذا هذا التراجع في اليقظة والالتزام، في وقت يكفي، بشهادة الخبراء في الأمراض المعدية، انتهاج سلوكات مسؤولة وفقا لقواعد الاحتراز من الفيروس بوضع الكمامة والتباعد، لتفادي خطر الوباء مع ممارسة حياة طبيعية في العمل والتجارة والتنقل.
لا يتطلب هذا الشرط الوحيد المتوفر حاليا للإفلات من الفيروس أكثر من الوعي والعمل به طواعية مساهمة في الجهود الوطنية لمواجهة فيروس غادر وقاتل لمن لا يحترز منه، بالتضحية بسلوكات تقليدية لم يعد ممكنا إتباعها، بما في ذلك تنظيم أو حضور أفراح مهما كان أصحابها أعزاء، فالصحة تبقى تاجا لا يفرط فيه.
للأسف، بعد التهاون خلال عيد الفطر، يلاحظ في الأيام الأخيرة عودة قوية للأعراس بكل ما يرافقها من حضور متزايد للمدعوين بدون احترام قواعد التباعد وارتداء الكمامة، بل أن سيارات الأفراح تجوب الشوارع بدون خشية وكأن الأمر لا شيء يزعج، وأكثر من هذا يتجمع الناس حول موائد غالبا ما تكلفهم ثمنا باهظا، في حين يمكن القيام بذلك ضمن قواعد الوقاية مع الحرص من أصحاب المناسبات على تنظيم مدعويهم والسهر على منع أي تقارب أو تبادل قبلات أو احتكاك.
هل يعقل أن بلدانا كثيرة تكاد تتجاوز منعرج الخطر الوبائي وتنتهج نمط تعايش مع الفيروس في حين عندنا يسمح بعض المتهورين وعديمي الحس المدني لأنفسهم بنسف كل ما تم تحقيقه، دون مراعاة التداعيات على المجتمع أو احترام الضحايا أو تقدير ما يعانيه أفراد «الجيش الأبيض» بكل فئاتهم المهنية من إرهاق لم يعد ممكنا مقاومته بعد تجنيد متواصل لحوالي أربعة أشهر.