إن ما أصبحت توفره مواقع التواصل الاجتماعي من مساحات لحرية التعبير لم توفره كل وسائل الإعلام التقليدية مجتمعة عبر التاريخ، بل أكثر من ذلك أنهت هذه الوسائط سطوة الرسالة الإعلامية أحادية الاتجاه التي تقوم على ثنائية (مرسل - متلقي) بتوفير إمكانية التفاعل المباشر بين الطرفين.
إن هذه الحرية غير المحدودة، جعلت الكثيرين يعبّرون عن قناعات وأفكار دون أدنى تحفّظ ولم يكن يعرفها إلا المقربون ضمن محيط ضيّق أصبح الملايين من البشر وفي مختلف البلدان يعرفون من أنت اليوم وكيف تفكر وماذا تفضّل مأكل ومشرب وأرائك ومواقفك، ويكفي أن بعض المؤسسات والقنصليات أصبحت تعتمد عليها في التوظيف أو في منح التأشيرات ؟
إن سحر وإغراءات «اللايكات»، التعاليق والمشاركات، جعلت الكثيرين من رواد مواقع التواصل مدمنين ومن أجل الحصول على نصيب منها يضطرون إلى نشر المزيد منها للحصول على المكافأة وكأنه المنعكس الشرطي لبافلوف، لهذا تجد البعض يضطر إلى نشر حياته الخاصة في أدق تفاصليها على الفايسبوك وغيره من المواقع للوصول إلى تلك النشوة لأنه يشعر باهتمام لم يجده في الواقع ؟.
إن الإدمان على المواقع والنت لا يختلف عن المخدرات ولكم أن تتصوروا أن أكثر من 2.5 مليار شخص عبر العالم يحملون هواتفهم بين أيديهم أو يقبعون خلف شاشات حواسيبهم من أجل استعمال الخدمات التي يقدمها فايسبوك ولواحقه الأخرى، أي، آنستغرام، مسنجر وواتس آب بمعدل 38 دقيقة يوميا من بينهم 24 مليون جزائري 53 بالمائة منهم يستعملون نفس التطبيقات الفايسبوكية يعرضون خلالها الملايين من معطياتهم الشخصية يوميا طوعيا وبالمجان، لتستغلها المخابرات والمخابر في بناء منظومات ضخمة للبيانات الشخصية تمكنها من معرفة كل شيء عن المجتمعات والشعوب، قناعاتها، ميولاتها ورغباتها، بل وحتى الأمراض المنتشرة فالدراسات الاجتماعية والانثروبولوجية التي كانت تسبق الحملات الاستعمارية، أصبحت توفرها مواقع التواصل الاجتماعي بالمجان ورأينا كيف ساهمت المواقع في إشعال ما سمي بـ (الربيع العربي) وكيف ألهبت صفعة شرطية لشاب تونسي، (ثورة الياسمين) وحساسية ذلك في مجتمعاتنا الشرقية ؟.
إن العالم الافتراضي الذي يوفّر حرية دون هوامش هو كذلك عالم بدون خصوصية فرواد «فايسبوك» لم يصبحوا مجرد صور في كتاب ولكن كتابا مفتوحا؟