لإطلاق دينامكية المؤسسة الإنتاجية الخاصة، ضخت لسنوات طويلة أموال معتبرة، لكن عددا كبيرا منها لم يتمكن من الانخراط القوي والانصهار بانسيابية في التحول الاقتصادي الشامل، لأن مؤسسات القطاع الخاص بقيت منغلقة على نفسها، لم تحقق الإقلاع السليم، بعد أن ابتعدت عن المسار المفترض، مضيعة فرصة تبوّإ موقع متقدم في الحلقة الاقتصادية، فلم تتمكن من المشاركة في معادلة النمو عبر التحرك بوتيرة سريعة في استحداث القيمة المضافة، والمساهمة في تحرير الاقتصاد من التبعية العضوية للثروة النفطية.
بقي عدد كبير من هذه المؤسسات، متقوقعا متخوفا من الانفتاح على الاستثمار والتوسع، واقتحام مسار التصدير بكفاءة وثقة وتنافسية، مفضلة احتفاظها بطابعها العائلي لعقود، فأسند تسييرها لأحد أفراد الأسرة، رافضة المجازفة بقرارات اقتصادية جريئة، تتوجس من التواجد في البورصة وبناء شراكات مثمرة، بل بعض المؤسسات تنفر من الشفافية و لا تكشف عن رقم أعمالها الحقيقي وحجم أرباحها وتتهرب من الضرائب، وهناك من تصرح بمجموعة صغيرة من العمال، بينما عدد آخر يخاطر في مواقع عمل صعبة وينشط في ظروف قاسية، من دون تغطية اجتماعية. لكن اليوم بات الظرف يحتم إعادة النظر في إستراتجيتها وعصرنة نمطها التسييري، لتضمن بقاءها في ظل العولمة و زخم التطور التكنولوجي الرهيب.
وإن كانت رؤية وخيارات هذه المؤسسات في الكثير من الأحيان، سبب إبعادها من تأمين البنية الاستثمارية، وأحيانا أخرى تقع في مأزق التناقض، لأن كل ذلك لا يتلاءم مع طبيعة دورها، الذي يفترض أن يجعل منها ورقة حاسمة في استكمال شبكات الإنتاج، عبر العمل في خط مواز مع مؤسسات القطاع العام.
عوامل جعلت ولوقت طويل مؤسسات القطاع الخاص الحلقة المتأخرة، لكن رغم السلبيات والإخفاقات، مازال ينظر إليها (الجدية منها) كورقة حاسمة، تحمل في عصبها الاقتصادي طاقة إيجابية يمكنها أن تصبح العمود الفقري للآلة الإنتاجية الوطنية، في ظل وجود بعض المؤسسات الخاصة التي أثبتت جدارتها بتبنيها توجها عمليا صحيحا، قادها إلى فرض جودة منتوجها في أسواق داخلية وخارجية، وتعد مستقبلا بطرح المزيد من الثروة.
لم يعد في صالح المؤسسة الخاصة سوى الاندماج السريع في المسار التنموي، واستغلال التطور العلمي ومخابر البحث والذكاء الاصطناعي، وفق تصور استشرافي بعيد المدى، لتكون قاطرة النسيج المؤسساتي، ولعل الجهود المبذولة للدفع بنسيج المؤسسات الناشئة نحو الواجهة التنموية، سيغير بشكل جذري من معادلة التنافسية.