باتت أسواق النفط التي تواجه منعرجا حساسا ومحاصرة بوباء «كوفيد 19»، يتجاوز تأثرها العوامل الجيواستراتجية والذروة الإنتاجية التي تغرق اليابسة بالزيوت الصخرية، ليطال مستجدات الظرف الصحي الحرج، الذي تحول إلى عامل ضابط لمؤشر التوازنات الإستراتيجية، لسوق كان يعاني قبل تفشي الفيروس المستجد من تخمة المعروض ومن حرب شرسة بين المنتجين الكبار، كانت مفتوحة على جميع الاحتمالات السلبية. لكن صارت المخابر الصيدلانية، تتصدر الواجهة كورقة ضغط تحدد سقف الأسعار في لحظة فارقة، فبإمكان خبر ابتكار لقاح وعودة الحياة كما كانت قبل الفيروس، أن ينعش الأسعار ويجعل المستهلكين للنفط على أهبة الاستعداد لتجاوز حالة الفتور الاقتصادي.
دخلت السوق النفطية طيلة استفحال الوباء في نفق مظلم، يحدق به الخطر من كل جانب، لولا تحرك «أوبك+» في الوقت المناسب لحماية مصالح أعضائها عبر مقاربة تجفيف الفائض، لأنهارت الأسعار إلى مستويات سلبية وحدث زلزال قوي لا يمكن تصور تبعات هزاته الارتدادية، على الاستثمار والإنتاج والاقتصاد والإنسان. «أوبك» واجهت الأزمة بمرونة رغم غموض آفاق الانفراج الاقتصادي، وفقدان النفط ثلثي قيمته، منذ مطلع شهر جانفي إلى غاية أفريل الماضي، لكنها مازالت بين فكي الشك والترقب بسبب الركود وبطء وتيرة عودة الرحلات الجوية والبحرية.
في ذات المشهد المشحون بالتذبذب واللااستقرار، تتسابق مخابر صينية وأمريكية وبريطانية وروسية لقول كلمتها في حسم عمر الأزمة، حيث يطبخ على نار قوية لقاح سيعيد عقارب الحياة، كما كانت عليه قبل انفلات الفيروس من الأسوار الصينية، وبالمقابل عكفت «أوبك+» في آخر اجتماع عقدته، على ضبط خارطة عملها، وافتكاك التزامات أخرى من الدول التي لم تحترم سقف حصص الخفض لتقييد المعروض، والوصول قبل اجتماعها القادم المقرر منتصف شهر جويلية الداخل، إلى تجسيد المسعى بنسبة قياسية، ويصبح التخفيض ينفذ بصورة طوعية في مسار حتمي واضح المعالم ولا مفر منه.
وإن كان المتفائلون لا ينتابهم القلق إزاء الوضع المعقد، ويتوقعون أن منظمة الدول المصدرة للنفط وشركائها من المنتجين المستقلين، قادرين على بلوغ مستوى التوازنات المنشودة قبل نهاية العام، غير أن المتشائمين يعتقدون وجود أطراف مجهولة تتدخل بشكل خفي، لحماية مصالحها بإبقاء سعر برميل النفط في مستويات متدنية، لن يسمح بحدوث أي استقرار على الأقل قبل سنتين. إذا «أوبك» على ضوء إصرارها، لن تستسلم لأي عامل طارئ ومتقدمة في تنفيذ خطتها التصحيحية، على أمل أن يتعافى النمو الاقتصادي العالمي في أقرب وقت.