تتجه الجزائر نحو القفز إلى مرحلة جديدة مغايرة تماما لملامح المراحل السابقة سياسيا و اقتصاديا وثقافيا، ولانجاز أهداف هذا التحول الجذري الشامل، يتطلب الظرف سقفا معتبرا من الاستقرار، والتفرغ لاستغلال مختلف الطاقات من دون إقصاء، وإرساء بيئة تتمتع بالشفافية، وتبني الرؤى الواضحة الدقيقة التي تفضي نتائجها إلى الهدف المنشود.
يتطلب تطهير الوضع وتجاوز المخلفات السلبية إعادة الاعتبار لمبدأ العدالة وتطبيق القانون على الجميع والاستمرار في ردع الفساد مهما كان حجمه، لأنه ظاهرة خطيرة لا يمكن أن تتجزأ، ولذلك ينبغي أن تتجند له مختلف الأطر التنظيمية والقانونية والإدارية الفعلية لاستئصال شأفته، فالقطيعة مع الفساد يمكن كذلك أن ترسخ في سلوكيات المواطنين بشكل تلقائي، من خلال التربية والتعليم والتشبع بقيم النزاهة والوطنية وتنشئة الأجيال على الاخلاق، والتحلي بروح المسؤولية نحو أداء الواجبات سواء كان ذلك في العمل أو الدراسة أو غيرها.
لعل المبادرة وحدها قادرة على التغيير الإيجابي الذي يطمح إليه المواطن، من أجل تكريس تقاليد جديدة تعيد الاعتبار للأكفأ والأفضل ليكون في المقدمة، بل ويقود معركة تصحيح المسار وإعادة القاطرة إلى وجهتها السليمة، لأن تكتل المنظومة الاجتماعية وتجند عالم الشغل الذي يحمل رصيدا وزخما من الخبرات والتجارب المتنوعة الايجابية منها والسلبية، وانصهار جميع الطاقات الخلاقة والمنتجة من دون استثناء، سيكون له أثر على جميع مناحي الحياة.
كما يكون الالتزام والانخراط وفق أهداف مسطرة وعبر خطة مدروسة تحدد فيها المسؤوليات، ووفقا لتقييم دوري يكون معيارا لاسناد المسؤوليات لمن يمكن أن يقدم الاضافة المطلوبة، في وقت أهدرت فيه الطاقات وضيعت الفرص، لكن الرهان يمكن أن يكون في المتناول، إذا كانت البداية صحيحة والانطلاقة وفق القواعد المطلوبة. غير انه لا يمكن لأي معيار أن يعلو على الجودة والتميز، ليقطع الطريق في وجه المحاباة والمحسوبية والجهوية وسلوكيات مشينة أخرى لطالما ثبطت العزائم ووأدت الهمم ومحت المبادرات وما أحوج الجزائر إلى مبادرات أبنائها جميعا، والأمل يبقى في فئة شبابها للانتقال إلى المرحلة التي يتطلع إليها الجميع وتليق بالجزائر، وأقصد الشباب الموهوب الذي يتمتع بالكفاءة والجدية ولا يدخر جهدا ودائم الاحتراق و المثابرة.
إذا التحول المطلوب في المتناول بل يوجد في مرمى جميع الفاعلين والطاقات الخلاقة في عالم الشغل، فقط الحاجة للتحرك الصحيح والمدروس لبلوغ الأهداف الكبرى التي يتطلبها التغيير في ظل التوجهات الراهنة التي ترسم معامل الغد .