لا تغيير حقيقي ولا رفاه ولا تنمية اقتصادية قوية، من دون بناء منظومة اقتصادية متينة ومتماسكة، تلعب فيها الصناعة دورا بارزا على صعيد تمويل السوق المحلية لكبح فاتورة الواردات، ولخلق القيمة المضافة عبر تصدير متواصل من دون انقطاع لأسواق خارجية، والبداية تكون برسم ملامح الأهداف البعيدة والمتوسطة المدى برؤية دقيقة واستشراف ذكي، مع تحديد شعب الصناعات التي تحتاجها الجزائر في تحدي توسيع وتعميق النسيج الصناعي، لكسب المعركة التنموية في ظل المنعرج الحساس والفرصة الجديدة المتاحة لاستدراك التأخر.
بالفعل إن الصناعة تعد المعيار الذي يعكس مدى تقدم الدولة في التكنولوجيا و»المناجمنت»، لأنها أبرز قطاع يمكن أن يستوعب قدرا كبيرا من الابتكار، الذي وحده من يمنح المنتوج تنافسية عالية عبر الأسواق الخارجية، من حيث الجودة والسعر المنافس، لذا لم تعد تعنى بالتطور التكنولوجي وحده بل إن مخابر البحث عبر المصانع صارت تخصص حيزا معتبرا للبحث بهدف تقليص كلفة المنتوج.
يتوجه الاهتمام في الوقت الراهن صوب الصناعة، التي تحتاج إلى تنويع بحيث ينبغي أن تبقى مقتصرة على الصناعات الغذائية والكهرومنزلية والإلكترونية والصيدلانية، لأن الظرف والعولمة يحتمان اقتحام عالم الرقمنة والذكاء الاصطناعي، وبناء شراكات قوية في استثمارات مع الأجانب لتحويل التكنولوجيا، وإقحام المورد البشري عبر الجامعات ومراكز البحث العلمي، في هذه المصانع للتكوين والتدريب وكسب الخبرة وانتقاء المتفوقين والذين يملكون ملكة الابتكار، الذين يمكنهم أن يقودوا قاطرة التنمية في مسار التطور لبلوغ مستوى الدول الناشئة، وحتى يعكس ذلك الإمكانيات التي تكتنزها الجزائر من مواد أولية متنوعة وطاقات بشرية متميزة.
ويتطلب التغيير الجذري قطيعة مع الذهنيات السابقة المثبطة للعزائم، ووقف السلوكيات التي تغذيها البيروقراطية والمحسوبية، بذلك أصبحت الاستعانة بالكفاءات النزيهة في التسيير والتوجيه، حتمية لا يمكن الاستغناء عنها، لأن الكفاءات وحدها من يمكنها تغيير الواقع المثقل بالتحديات، ورفع الكفة نحو منحى إيجابي وتصاعدي، إذا بوصلة بناء قاعدة صناعية متنوعة تضم ما لا يقل عن 2 مليون مؤسسة اقتصادية صغيرة ومتوسطة وكبيرة، تحتاجها الجزائر لإقلاع اقتصادي بتنافسية عالية، يمكنها خلق القيمة المضافة، بيد الكفاءات التي وحدها تقدر على التغيير الإيجابي الجذري.